(نَخِب) و (المِسْلح)
قال صالح : «نخب وهو من أودية شرق الطائف المجاور للعرج قال عنه ياقوت الحموي وادي لهذيل»
قلت : اليوم الكلام على موضع (نَخِب) وهو عَلَم له ذكر في كتب السير والمغازي , بل وله ذكر في كتب الأحكام , فالأخ صالح هنا لبّس ودلّس وقوّل أهل العلم ما لم يقولوا , سأنقل كلام ياقوت حتى يتبيّن وجه الصواب :
قال ياقوت الحموي (المتوفى: 626هـ) في معجم البلدان : «نَخِبٌ : بالفتح ثم الكسر ثم باء موحدة، فلان نخب الفؤاد إذا كان جبانا : وهو واد بالطائف ، عن السّكوني ، وأنشد:
حتى سمعت بكم ودعتم نخبا ... ما كان هذا بحين النفر من نخب
وفي شعر أبي ذؤيب يصف ظبية وولدها:
لعمرك ما عيناء تنسأ شادنا ... يعنّ لها بالجزع من نخب النجل
النجل ، بالجيم : النزّ ، وأضافه إلى النجل لأن به نجالا كما قيل نعمان الأراك لأن به الأراك،
1- ويقال: نخب واد بالسراة، وقال الأخفش: نخب واد بأرض هذيل ،
2- وقيل: واد من الطائف على ساعة ، ورواه بفتحتين ، مرّ به النبي، صلّى الله عليه وسلّم، من طريق يقال لها الضيقة ثم خرج منها على نخب حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة». انتهى كلام ياقوت .
فهذا ياقوت يتبرأ مما نسبه له الأخ صالح .
أولاً : لم يقل إن (نَخِب) التي شرق الطائف من بلاد هذيل .
ثانياً : أن ياقوت والعلماء قبله فرّقوا بين (نَخِب) التي شرق الطائف وبين التي في السراة والتي سمّاها أبو ذؤيب (نخب النجل)
ثالثاً : أن ياقوت ذكر قول الأخفش بعد أن ذكر نخب السراة , وذكر نخب الطائف وقرنه بمرور النبي صلّى الله عليه وسلّم .
قلت أول من فرّق بين (نَخِب) التي شرق الطائف وبين التي في السراة هو الأصمعي في ديوان أبي ذؤيب رواية الأصمعي (35) وهو مقدم على مافي شرح السكري :
«لعمرك ما عيساء تنسأ شادنا ... يعنّ لها بالجزع من نخب النجل
قال الأصمعي : «بالجزع من نخب : هو (وادٍ بالسراة) , والنجل النّزّ , وهو ماء يظهر من الماء ثم يجري» . انتهى كلام الأصمعي .
والأصمعي ذكر (نَخِب) التي شرق الطائف وذكر معها العرج وقال كما نقله لغدة في «بلاد العرب» (29) : «وواد يقال له نخب وهو من الطائف على ساعة» . انتهى
وأيضاً أبو بكر الحازمي (المتوفى: 584هـ) في «الأماكن أو ما اتفق لفظه وافترق مسماه من الأمكنة» (881) : « نَخِب : واد بالطائف، قاله السكري قال:
حَتَّى سَمِعْتُ بِكُمْ وَدَّعْتُكُمْ نخِبّا...مَا كَانَ هذَا بِحِيْنِ النَّفْرِ مِنْ نَخِبِ
وفي شعر أبي ذؤيب -:
لَعَمْرُكَ مَا عَيْسَاءُ تَنْسَأُ شَادِناً... يَعِنُّ لَهَا بِالجَزْعِ مِنْ نَخِبِ النَّجْلِ
ويُقَالُ: واد بالسراة، وقال الأخفش: نخب واد بأرض هُذيل» . انتهى
فهذا الحازمي يفرّق بينهما , فعلى هذا لا تعارض بين كلام أهل العلم , ومن أهل العلم من ردّ قول الأخفش أو شكك في مراده , ومنهم قدح في رواية البيت , فقال يروى : (تعنّ له بالجزع من جانب النجل)
وممن شكك بأن المراد بقول أبي ذؤيب (نَخِب) التي شرق الطائف أبو عبيد البكري (المتوفى: 487هـ) في «معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع» فقال : «نخب : بفتح أوّله وإسكان ثانيه بعده باء معجمة بواحدة: واد من وراء الطائف , وروى أبو داود، وقاسم بن ثابت، من طريق عروة بن الزّبير ببصره، ووقف حتّى اتّفق الناس كلّهم، وقال: إنّ صيد وجّ وعضاهها حرم محرّم لله . وذلك قبل نزوله الطائف، وحصاره ثقيفا.
وورد فى شعر أبى ذؤيب: نخب، بكسر الخاء على فعل، قال:
لعمرك ما عيساء تنسأ شادنا ... يعنّ لها بالجزع من نخب نجل
هكذا الرواية بلا اختلاف فيها. فإن كان أراد هذا الموضع الذي هو معرفة ، كيف وصفه بنكرة ، وقد رأيته مضبوطا «من نخب النّجل» على الإضافة .
ومن رواية ابن إسحاق أنّ الحرب لمّا لجّت بين بنى نصر بن معاوية ابن بكر بن هوازن وبين الأحلاف من ثقيف، وهم ولد عوف بن قسىّ، لأن الأحلاف غلبوا بنى نصر على جلذان ، فلمّا لجّت الحرب بينهم ، اغتنمت ذلك إخوتهم بنو مالك بن ثقيف، وهم بنو جشم بن قسىّ ، لضغائن كانت بينهم ، فصاروا مع بنى نصر يدا واحدة . فأوّل قتال اقتتلوا فيه يوم الطائف ، فساقتهم الأحلاف حتّى أخرجوهم منه ، إلى واد من وراء الطائف ، يقال له نخب، وألجئوهم إلى جبل يقال له التّوأم ، فقتلت بنى مالك وحلفاءهم عنده مقتلة عظيمة» . انتهى
ومن أهل العلم من ردّ قول الأخفش ومنهم حمد الجاسر في تعقيبه على كتاب «أبو ذؤيب الهذلي حياته وشعره» (241) قال صاحب الكتاب عن هذيل : (كذلك فقد سكنت منطقة نخب التي وردت في قول أبي ذؤيب :
لعمرك ما عيساء تنسأ شادنا ... يعنّ لها بالجزع من نخب النجل
وقد حدد البكري هذه المنطقة إذ قال : نخب بفتح أوله وإسكان ثانيه : واد من وراء الطائف)
قال الأستاذ حمد الجاسر رحمه الله تعقيباً على كلامه السابق : «يلاحظ على هذا :
أ - ليس كل موضع يرد اسمه في شعر أحد الشعراء يعتبر من منازل قبيلته , ووادي نخب يقع شرق الطائف , في بلاد هوازن وليس من منازل هذيل , ولا تصل بلاد هذه القبيلة إلى شرق الطائف , بل لا تبلغه .
ب - لم أرَ للبكري قولاً بأن وادي نخب من بلاد هذيل , بل ذكر ما يفهم منه أنه ليس من بلادهم فقد أورد خبر الحرب التي وقعت بين الأحلاف من ثقيف وبين بني نصر من هوازن , ومعهم بنو مالك من ثقيف أيضاً ضد أخوتهم الأحلاف , فانتصر الأحلاف حتى أخروا أعداءهم من الطائف , قال البكري (فساقتهم الأحلاف حتى أخرجوهم منهم إلى واد من وراء الطائف يقال له نخب) .
والعادة أن الحرب بين قبيلتين تكون في أرض أحدهما , لا في أرض قبيلة ثالثة , إلا نادراً .
ولم أرَ فيما اطلعت عليه من نصوص المتقدمين من قال أن نخباً من بلاد هذيل سوى ما نقل ياقوت عن الأخفش , والأخفش من علماء النحو , ويظهر أنه رأى الاسم ورد في شعر هذليّ فظنه من بلاد قومه , كما وقع لكثير من العلماء المتقدمين مثل هذا , في الكلام على تحديد كثير من المواضع , كالهمداني في صفة جزيرة العرب والبكري في معجم ما استعجم وغيرهما على أن البكري بعد أن أورد بيت أبي ذؤيب قال (هكذا الرواية بلا اختلاف فيها. فإن كان أراد هذا الموضع الذي هو معرفة ، كيف وصفه بنكرة ؟ وقد رأيته مضبوطا «من نخب النّجل» على الإضافة) انتهى فكأنه لم يتيقن بكون أبي ذؤيب أراد الموضع الذي هو أحد أودية الطائف .
جـ - نخب هذا الوادي لا يزال معروفاً باسمه , ويسمّى أيضاً وادي النمل , وسكانه الآن من قبيلة وقدان , التي هي من هوازن , وتعدّ الآن من قبيلة عتيبة , وأكثر فروع هذه القبيلة من هوازن أيضاً .
وتحديد البكري لوادي نخب تحديد واسع , فما أكثر البلاد الواقعة وراء الطائف , وما أوسعها , والوادي المذكور أوشك عمران مدينة الطائف أن يبلغه من الناحية الشرقية , ويعدّ الآن من ضواحي تلك المدينة» انتهى كلامه
وقال أيضاً (254) في تعقيبه على قول المؤلف عن أبي ذؤيب (وكانت أكثر المناطق وروداً في شعره هي التي تقع في ديار هذيل كالثمراء...وعكاظ...ونخب)
قال الجاسر رحمه الله : «تقدم القول بأن وادي نخب ليس في بلاد هذيل , وعكاظ أيضاً ليس في بلادهم فو أسافل أودية الطائف العرج وشرب وغيرهما , وتلك من بلاد بني نصر من هوازن , لا يشك في هذا كل من تعمق في دراسة نصوص المتقدمين عن تحديد منازل العرب .
ولم أرَ فيما اطلعت عليه من تلك النصوص من عدّ عكاظاً من بلاد هذيل» انتهى كلامه .
والأديب والمؤرخ والعلامة محمد سعيد كمال رحمه الله بعد أن نقل كلام الأخفش ومن تابعه قال : «هو وهمٌ منهم , لأنهم سمعوا أبا ذؤيب الهذلي يصف ظبية وولدها :
لعمرك ما عيساء تنسأ شادنا ... يعنّ لها بالجزع من نخب النجل
النجل : النز , وأضافه إلى النجل لأن به نجالاً , كما قيل نعمان الأراك لأن به الأراك .
أراد : من نجل نخب , فقلب , لأن النجل الذي هو الماء في بطون الأودية جنس , ومن المحال أن تضاف الأعلام إلى الأجناس , لمّا رأوا أن هذا الاستشهاد لشاعر من هذيل ظنّوا أن الوادي لهذيل» . «مجلة العرب» (1/517) .
قلت : خبر الحرب الذي أورده البكري واستدل به الأستاذ حمد الجاسر رحمه الله بأن نخب من بلاد بني نصر لم بفصّل والصحيح أن الحرب على بني يربوع من بني نصر , وهذا الخبر كاملاً :
قال قاسم بن ثابت السرقسطي (المتوفى: 302هـ) في الدلائل في غريب الحديث (1/72) : «حدّثنا محمّد بن جعفر، قال: نا الفضل بن غانم، قال: نا سلمة بن الفضل، قال: قال محمّد بن إسحاق : ولد ثقيف وهو قسيّ ، عوف بن قسيّ، وجشم بن قسيّ، فولد جشم، حطيط بن جشم، وولد حطيط، مالك بن حطيط، فهؤلاء بنو مالك، وولد عوف بن قسيّ سعد بن عوف، وغيرة بن عوف، فهذه بطون الأحلاف من ثقيف، وكانت حرب ثقيف الّتي كانت بين الأحلاف وبني مالك، أنّ بني معتّب بن مالك من الأحلاف، وكانوا أهل ثروة وعدد، وكانت لهم خيل، فحموا لها حمى من أرض بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن من قيس، يقال له: (جلذان) فغضبت من ذلك بنو نصر، فقاتلوهم فيه حتّى لجّت الحرب بينهم وبين الأحلاف، فلمّا لجّت الحرب بين بني يربوع من بني نصر وبين الأحلاف، اغتنمت ذلك بنو مالك وإخوتهم من ثقيف، لضغائن بينهم وبين الأحلاف، فأرادوا أن يكونوا هم وبنو يربوع من بني نصر على الأحلاف يدا واحدة، فحالفوا بني يربوع على الأحلاف، فلمّا سمعت الأحلاف ذلك، اجتمعوا لحربهم، وانضمّ بعضهم يومئذ إلى بعض، ورئيس الأحلاف إذ ذاك مسعود بن معتّب، وهو كان حلّف الحلفاء بين ثقيف وقيس، ورئيس بني مالك إذ ذاك جندب بن عوف بن الحارث بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسيّ، فكان أوّل قتال اقتتل فيه الأحلاف وبنو مالك وحلفاؤهم، ومن بني يربوع من بني نصر يوم الطائف ، فاقتتلوا قتالا شديدا، فساقتهم الأحلاف حتّى أخرجوهم منه إلى واد من وراء الطّائف، يقال له: (نخب) ، فألجئوهم إلى جبل ، يقال له : (التّوأم) ، فقتلت بنو مالك وبنو يربوع عنده مقتلة عظيمة في شعب من شعاب ذلك الجبل ، فسمّي (شعب الأنان) ، لأنين القتلى فيه . و(نخب) هذا هو الّذي جاء فيه الحديث» .
قلت : ومن باب فضول العلم , هناك فرقٌ بين (نَخِب) التي شرق الطائف وبين التي في السراة والتي سمّاها أبو ذؤيب (نخب النجل) , فالتي في الطائف تسمّى من قديم بوادي النمل , فلعل اسم (نَخِب) أتاها من النمل , فإن عضّ النمل يسمّى (نَخب) فيقال : نَخَبَتْه النَّمْلُ: أي عَضَّتْه . والله أعلم
ونقل ذلك عن التابعي كعب بن ماتع الحِميّري فروى البغوي (المتوفى : 510هـ) في «معالم التنزيل في تفسير القرآن» «ثمّ مضى سليمان حتّى مرّ بوادي السّدير واد من الطّائف ، فأتى على وادي النّمل ، هكذا قال كعب : إنّه واد بالطّائف» .
(المسلح)
بعد أن ذكر صالح بلاد هذيل المفقودة في نجد , قال : «والمسلح هو مايسمى اليوم ب(فيضة المسلح) وكان ميقات شيعة أهل العراق في كتاب منتقى الجمان لصاحب المعالم» .
قلت : لم يذكر صالح من الحجج شيئاً إلا أنه كان ميقاتاً للشيعة , فهل هذا السبب كافي لدعواه ؟!
ثم أردف كلامه بالجزم والقطع والتأكيد بقوله : «ولاشك إن مجدل من الديار التي تشترك فيها بنو سليم مع هذيل وتصل سليم من تلك الديار إلى أول(المسلح)» .
قلت : هذه التقسيمات والحدود التي لم يجدها إلا صالح , كلها أوهام وخيالات وأماني عنده فقط , فلم يذكر حجة صحيحة ولا ضعيفة بل ولا شبهة على هذه الحدود الجديدة , وقد رددتُ عليه في ما يتعلق بـ (مجدل) الذي يستدل به في موضوع مستقل .
قال : أبو عبيد البكري (المتوفى: 487هـ) «معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع» : «(المسلح) بكسر أوله، وإسكان ثانيه، وفتح اللام، بعدها حاء مهملة، منزل على أربعة أميال من مكة. قال أبو حاتم وابن قتيبة: والعامة تقول: المسلح بفتح الميم، وذلك خطأ» .
قلت : و(المسلح) قد عمرها الخليفة أبو جعفر المنصور وقلب الطريق عن (البعث) إلى (المسلح) فأصبحت قرية عامرة , غالب أهلها من قريش وبني سليم وغيرهم , وهي اليوم من منازل عتيبة .
الأخ صالح لا يترك الاستشهاد بأقوال الرافضة قال : «وكان ميقات شيعة أهل العراق في كتاب منتقى الجمان لصاحب المعالم» ثم نقل صورتين , الأولى عن موقع (شبكة كربلاءالمقدسة) , نقل كلام الرافضي علي الهاشمي الموسوي النجفي ( المتوفي : 1396هـ ) وكلامه في كتابه «الحسين في طريقه إلى الشهادة» (ص35) وخلط الرافضي بين المسلح وبين جبل مُسلح .
و نقل عن الرافضي نقلا عزاه للهمداني في (صفة الجزيرة العربية) وفيه «وفي المخطوط عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال : كان (المسلح) أوله لبني سليم» , وهذا كذب على الهمداني , فقد وقفت على طبعة ليدن وطبعة دار اليمامة تحقيق الأكوع , وبعض مخطوطات الكتاب , وليس فيها هذا الكلام , وإن كان هذا الكلام قد ذكره غيره .
الصورة الثانية عن كتاب من كتب الرافضة «منتقى الجمان» (3/144) لحسن العاملي الجبعي (المتوفي : 1011 هـ) معروف بحسن صاحب معالم الأصول (معالم الدين وملاذ المجتهدين) . ولا أدري لماذا هذا النقل بكثرة عن الرافضة .
أمّا قوله : «ولاشك إن مجدل من الديار التي تشترك فيها بنو سليم مع هذيل وتصل سليم من تلك الديار إلى أول(المسلح)» .
فأقول : لا تغتر أخي القارئ بهذه الثقة من صالح , فكل هذا التهويل وإظهار التأكيد والتشديد واليقين الجازم لأنه ليس ليس لديه أي حجة , فقد وجدنا (مجدل) هذه التي أكّد عليها وجعلها حداً لهذيل في دولة (لبنان) تابعة لبيروت .
قال صالح : «نخب وهو من أودية شرق الطائف المجاور للعرج قال عنه ياقوت الحموي وادي لهذيل»
قلت : اليوم الكلام على موضع (نَخِب) وهو عَلَم له ذكر في كتب السير والمغازي , بل وله ذكر في كتب الأحكام , فالأخ صالح هنا لبّس ودلّس وقوّل أهل العلم ما لم يقولوا , سأنقل كلام ياقوت حتى يتبيّن وجه الصواب :
قال ياقوت الحموي (المتوفى: 626هـ) في معجم البلدان : «نَخِبٌ : بالفتح ثم الكسر ثم باء موحدة، فلان نخب الفؤاد إذا كان جبانا : وهو واد بالطائف ، عن السّكوني ، وأنشد:
حتى سمعت بكم ودعتم نخبا ... ما كان هذا بحين النفر من نخب
وفي شعر أبي ذؤيب يصف ظبية وولدها:
لعمرك ما عيناء تنسأ شادنا ... يعنّ لها بالجزع من نخب النجل
النجل ، بالجيم : النزّ ، وأضافه إلى النجل لأن به نجالا كما قيل نعمان الأراك لأن به الأراك،
1- ويقال: نخب واد بالسراة، وقال الأخفش: نخب واد بأرض هذيل ،
2- وقيل: واد من الطائف على ساعة ، ورواه بفتحتين ، مرّ به النبي، صلّى الله عليه وسلّم، من طريق يقال لها الضيقة ثم خرج منها على نخب حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة». انتهى كلام ياقوت .
فهذا ياقوت يتبرأ مما نسبه له الأخ صالح .
أولاً : لم يقل إن (نَخِب) التي شرق الطائف من بلاد هذيل .
ثانياً : أن ياقوت والعلماء قبله فرّقوا بين (نَخِب) التي شرق الطائف وبين التي في السراة والتي سمّاها أبو ذؤيب (نخب النجل)
ثالثاً : أن ياقوت ذكر قول الأخفش بعد أن ذكر نخب السراة , وذكر نخب الطائف وقرنه بمرور النبي صلّى الله عليه وسلّم .
قلت أول من فرّق بين (نَخِب) التي شرق الطائف وبين التي في السراة هو الأصمعي في ديوان أبي ذؤيب رواية الأصمعي (35) وهو مقدم على مافي شرح السكري :
«لعمرك ما عيساء تنسأ شادنا ... يعنّ لها بالجزع من نخب النجل
قال الأصمعي : «بالجزع من نخب : هو (وادٍ بالسراة) , والنجل النّزّ , وهو ماء يظهر من الماء ثم يجري» . انتهى كلام الأصمعي .
والأصمعي ذكر (نَخِب) التي شرق الطائف وذكر معها العرج وقال كما نقله لغدة في «بلاد العرب» (29) : «وواد يقال له نخب وهو من الطائف على ساعة» . انتهى
وأيضاً أبو بكر الحازمي (المتوفى: 584هـ) في «الأماكن أو ما اتفق لفظه وافترق مسماه من الأمكنة» (881) : « نَخِب : واد بالطائف، قاله السكري قال:
حَتَّى سَمِعْتُ بِكُمْ وَدَّعْتُكُمْ نخِبّا...مَا كَانَ هذَا بِحِيْنِ النَّفْرِ مِنْ نَخِبِ
وفي شعر أبي ذؤيب -:
لَعَمْرُكَ مَا عَيْسَاءُ تَنْسَأُ شَادِناً... يَعِنُّ لَهَا بِالجَزْعِ مِنْ نَخِبِ النَّجْلِ
ويُقَالُ: واد بالسراة، وقال الأخفش: نخب واد بأرض هُذيل» . انتهى
فهذا الحازمي يفرّق بينهما , فعلى هذا لا تعارض بين كلام أهل العلم , ومن أهل العلم من ردّ قول الأخفش أو شكك في مراده , ومنهم قدح في رواية البيت , فقال يروى : (تعنّ له بالجزع من جانب النجل)
وممن شكك بأن المراد بقول أبي ذؤيب (نَخِب) التي شرق الطائف أبو عبيد البكري (المتوفى: 487هـ) في «معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع» فقال : «نخب : بفتح أوّله وإسكان ثانيه بعده باء معجمة بواحدة: واد من وراء الطائف , وروى أبو داود، وقاسم بن ثابت، من طريق عروة بن الزّبير ببصره، ووقف حتّى اتّفق الناس كلّهم، وقال: إنّ صيد وجّ وعضاهها حرم محرّم لله . وذلك قبل نزوله الطائف، وحصاره ثقيفا.
وورد فى شعر أبى ذؤيب: نخب، بكسر الخاء على فعل، قال:
لعمرك ما عيساء تنسأ شادنا ... يعنّ لها بالجزع من نخب نجل
هكذا الرواية بلا اختلاف فيها. فإن كان أراد هذا الموضع الذي هو معرفة ، كيف وصفه بنكرة ، وقد رأيته مضبوطا «من نخب النّجل» على الإضافة .
ومن رواية ابن إسحاق أنّ الحرب لمّا لجّت بين بنى نصر بن معاوية ابن بكر بن هوازن وبين الأحلاف من ثقيف، وهم ولد عوف بن قسىّ، لأن الأحلاف غلبوا بنى نصر على جلذان ، فلمّا لجّت الحرب بينهم ، اغتنمت ذلك إخوتهم بنو مالك بن ثقيف، وهم بنو جشم بن قسىّ ، لضغائن كانت بينهم ، فصاروا مع بنى نصر يدا واحدة . فأوّل قتال اقتتلوا فيه يوم الطائف ، فساقتهم الأحلاف حتّى أخرجوهم منه ، إلى واد من وراء الطائف ، يقال له نخب، وألجئوهم إلى جبل يقال له التّوأم ، فقتلت بنى مالك وحلفاءهم عنده مقتلة عظيمة» . انتهى
ومن أهل العلم من ردّ قول الأخفش ومنهم حمد الجاسر في تعقيبه على كتاب «أبو ذؤيب الهذلي حياته وشعره» (241) قال صاحب الكتاب عن هذيل : (كذلك فقد سكنت منطقة نخب التي وردت في قول أبي ذؤيب :
لعمرك ما عيساء تنسأ شادنا ... يعنّ لها بالجزع من نخب النجل
وقد حدد البكري هذه المنطقة إذ قال : نخب بفتح أوله وإسكان ثانيه : واد من وراء الطائف)
قال الأستاذ حمد الجاسر رحمه الله تعقيباً على كلامه السابق : «يلاحظ على هذا :
أ - ليس كل موضع يرد اسمه في شعر أحد الشعراء يعتبر من منازل قبيلته , ووادي نخب يقع شرق الطائف , في بلاد هوازن وليس من منازل هذيل , ولا تصل بلاد هذه القبيلة إلى شرق الطائف , بل لا تبلغه .
ب - لم أرَ للبكري قولاً بأن وادي نخب من بلاد هذيل , بل ذكر ما يفهم منه أنه ليس من بلادهم فقد أورد خبر الحرب التي وقعت بين الأحلاف من ثقيف وبين بني نصر من هوازن , ومعهم بنو مالك من ثقيف أيضاً ضد أخوتهم الأحلاف , فانتصر الأحلاف حتى أخروا أعداءهم من الطائف , قال البكري (فساقتهم الأحلاف حتى أخرجوهم منهم إلى واد من وراء الطائف يقال له نخب) .
والعادة أن الحرب بين قبيلتين تكون في أرض أحدهما , لا في أرض قبيلة ثالثة , إلا نادراً .
ولم أرَ فيما اطلعت عليه من نصوص المتقدمين من قال أن نخباً من بلاد هذيل سوى ما نقل ياقوت عن الأخفش , والأخفش من علماء النحو , ويظهر أنه رأى الاسم ورد في شعر هذليّ فظنه من بلاد قومه , كما وقع لكثير من العلماء المتقدمين مثل هذا , في الكلام على تحديد كثير من المواضع , كالهمداني في صفة جزيرة العرب والبكري في معجم ما استعجم وغيرهما على أن البكري بعد أن أورد بيت أبي ذؤيب قال (هكذا الرواية بلا اختلاف فيها. فإن كان أراد هذا الموضع الذي هو معرفة ، كيف وصفه بنكرة ؟ وقد رأيته مضبوطا «من نخب النّجل» على الإضافة) انتهى فكأنه لم يتيقن بكون أبي ذؤيب أراد الموضع الذي هو أحد أودية الطائف .
جـ - نخب هذا الوادي لا يزال معروفاً باسمه , ويسمّى أيضاً وادي النمل , وسكانه الآن من قبيلة وقدان , التي هي من هوازن , وتعدّ الآن من قبيلة عتيبة , وأكثر فروع هذه القبيلة من هوازن أيضاً .
وتحديد البكري لوادي نخب تحديد واسع , فما أكثر البلاد الواقعة وراء الطائف , وما أوسعها , والوادي المذكور أوشك عمران مدينة الطائف أن يبلغه من الناحية الشرقية , ويعدّ الآن من ضواحي تلك المدينة» انتهى كلامه
وقال أيضاً (254) في تعقيبه على قول المؤلف عن أبي ذؤيب (وكانت أكثر المناطق وروداً في شعره هي التي تقع في ديار هذيل كالثمراء...وعكاظ...ونخب)
قال الجاسر رحمه الله : «تقدم القول بأن وادي نخب ليس في بلاد هذيل , وعكاظ أيضاً ليس في بلادهم فو أسافل أودية الطائف العرج وشرب وغيرهما , وتلك من بلاد بني نصر من هوازن , لا يشك في هذا كل من تعمق في دراسة نصوص المتقدمين عن تحديد منازل العرب .
ولم أرَ فيما اطلعت عليه من تلك النصوص من عدّ عكاظاً من بلاد هذيل» انتهى كلامه .
والأديب والمؤرخ والعلامة محمد سعيد كمال رحمه الله بعد أن نقل كلام الأخفش ومن تابعه قال : «هو وهمٌ منهم , لأنهم سمعوا أبا ذؤيب الهذلي يصف ظبية وولدها :
لعمرك ما عيساء تنسأ شادنا ... يعنّ لها بالجزع من نخب النجل
النجل : النز , وأضافه إلى النجل لأن به نجالاً , كما قيل نعمان الأراك لأن به الأراك .
أراد : من نجل نخب , فقلب , لأن النجل الذي هو الماء في بطون الأودية جنس , ومن المحال أن تضاف الأعلام إلى الأجناس , لمّا رأوا أن هذا الاستشهاد لشاعر من هذيل ظنّوا أن الوادي لهذيل» . «مجلة العرب» (1/517) .
قلت : خبر الحرب الذي أورده البكري واستدل به الأستاذ حمد الجاسر رحمه الله بأن نخب من بلاد بني نصر لم بفصّل والصحيح أن الحرب على بني يربوع من بني نصر , وهذا الخبر كاملاً :
قال قاسم بن ثابت السرقسطي (المتوفى: 302هـ) في الدلائل في غريب الحديث (1/72) : «حدّثنا محمّد بن جعفر، قال: نا الفضل بن غانم، قال: نا سلمة بن الفضل، قال: قال محمّد بن إسحاق : ولد ثقيف وهو قسيّ ، عوف بن قسيّ، وجشم بن قسيّ، فولد جشم، حطيط بن جشم، وولد حطيط، مالك بن حطيط، فهؤلاء بنو مالك، وولد عوف بن قسيّ سعد بن عوف، وغيرة بن عوف، فهذه بطون الأحلاف من ثقيف، وكانت حرب ثقيف الّتي كانت بين الأحلاف وبني مالك، أنّ بني معتّب بن مالك من الأحلاف، وكانوا أهل ثروة وعدد، وكانت لهم خيل، فحموا لها حمى من أرض بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن من قيس، يقال له: (جلذان) فغضبت من ذلك بنو نصر، فقاتلوهم فيه حتّى لجّت الحرب بينهم وبين الأحلاف، فلمّا لجّت الحرب بين بني يربوع من بني نصر وبين الأحلاف، اغتنمت ذلك بنو مالك وإخوتهم من ثقيف، لضغائن بينهم وبين الأحلاف، فأرادوا أن يكونوا هم وبنو يربوع من بني نصر على الأحلاف يدا واحدة، فحالفوا بني يربوع على الأحلاف، فلمّا سمعت الأحلاف ذلك، اجتمعوا لحربهم، وانضمّ بعضهم يومئذ إلى بعض، ورئيس الأحلاف إذ ذاك مسعود بن معتّب، وهو كان حلّف الحلفاء بين ثقيف وقيس، ورئيس بني مالك إذ ذاك جندب بن عوف بن الحارث بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسيّ، فكان أوّل قتال اقتتل فيه الأحلاف وبنو مالك وحلفاؤهم، ومن بني يربوع من بني نصر يوم الطائف ، فاقتتلوا قتالا شديدا، فساقتهم الأحلاف حتّى أخرجوهم منه إلى واد من وراء الطّائف، يقال له: (نخب) ، فألجئوهم إلى جبل ، يقال له : (التّوأم) ، فقتلت بنو مالك وبنو يربوع عنده مقتلة عظيمة في شعب من شعاب ذلك الجبل ، فسمّي (شعب الأنان) ، لأنين القتلى فيه . و(نخب) هذا هو الّذي جاء فيه الحديث» .
قلت : ومن باب فضول العلم , هناك فرقٌ بين (نَخِب) التي شرق الطائف وبين التي في السراة والتي سمّاها أبو ذؤيب (نخب النجل) , فالتي في الطائف تسمّى من قديم بوادي النمل , فلعل اسم (نَخِب) أتاها من النمل , فإن عضّ النمل يسمّى (نَخب) فيقال : نَخَبَتْه النَّمْلُ: أي عَضَّتْه . والله أعلم
ونقل ذلك عن التابعي كعب بن ماتع الحِميّري فروى البغوي (المتوفى : 510هـ) في «معالم التنزيل في تفسير القرآن» «ثمّ مضى سليمان حتّى مرّ بوادي السّدير واد من الطّائف ، فأتى على وادي النّمل ، هكذا قال كعب : إنّه واد بالطّائف» .
(المسلح)
بعد أن ذكر صالح بلاد هذيل المفقودة في نجد , قال : «والمسلح هو مايسمى اليوم ب(فيضة المسلح) وكان ميقات شيعة أهل العراق في كتاب منتقى الجمان لصاحب المعالم» .
قلت : لم يذكر صالح من الحجج شيئاً إلا أنه كان ميقاتاً للشيعة , فهل هذا السبب كافي لدعواه ؟!
ثم أردف كلامه بالجزم والقطع والتأكيد بقوله : «ولاشك إن مجدل من الديار التي تشترك فيها بنو سليم مع هذيل وتصل سليم من تلك الديار إلى أول(المسلح)» .
قلت : هذه التقسيمات والحدود التي لم يجدها إلا صالح , كلها أوهام وخيالات وأماني عنده فقط , فلم يذكر حجة صحيحة ولا ضعيفة بل ولا شبهة على هذه الحدود الجديدة , وقد رددتُ عليه في ما يتعلق بـ (مجدل) الذي يستدل به في موضوع مستقل .
قال : أبو عبيد البكري (المتوفى: 487هـ) «معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع» : «(المسلح) بكسر أوله، وإسكان ثانيه، وفتح اللام، بعدها حاء مهملة، منزل على أربعة أميال من مكة. قال أبو حاتم وابن قتيبة: والعامة تقول: المسلح بفتح الميم، وذلك خطأ» .
قلت : و(المسلح) قد عمرها الخليفة أبو جعفر المنصور وقلب الطريق عن (البعث) إلى (المسلح) فأصبحت قرية عامرة , غالب أهلها من قريش وبني سليم وغيرهم , وهي اليوم من منازل عتيبة .
الأخ صالح لا يترك الاستشهاد بأقوال الرافضة قال : «وكان ميقات شيعة أهل العراق في كتاب منتقى الجمان لصاحب المعالم» ثم نقل صورتين , الأولى عن موقع (شبكة كربلاءالمقدسة) , نقل كلام الرافضي علي الهاشمي الموسوي النجفي ( المتوفي : 1396هـ ) وكلامه في كتابه «الحسين في طريقه إلى الشهادة» (ص35) وخلط الرافضي بين المسلح وبين جبل مُسلح .
و نقل عن الرافضي نقلا عزاه للهمداني في (صفة الجزيرة العربية) وفيه «وفي المخطوط عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال : كان (المسلح) أوله لبني سليم» , وهذا كذب على الهمداني , فقد وقفت على طبعة ليدن وطبعة دار اليمامة تحقيق الأكوع , وبعض مخطوطات الكتاب , وليس فيها هذا الكلام , وإن كان هذا الكلام قد ذكره غيره .
الصورة الثانية عن كتاب من كتب الرافضة «منتقى الجمان» (3/144) لحسن العاملي الجبعي (المتوفي : 1011 هـ) معروف بحسن صاحب معالم الأصول (معالم الدين وملاذ المجتهدين) . ولا أدري لماذا هذا النقل بكثرة عن الرافضة .
أمّا قوله : «ولاشك إن مجدل من الديار التي تشترك فيها بنو سليم مع هذيل وتصل سليم من تلك الديار إلى أول(المسلح)» .
فأقول : لا تغتر أخي القارئ بهذه الثقة من صالح , فكل هذا التهويل وإظهار التأكيد والتشديد واليقين الجازم لأنه ليس ليس لديه أي حجة , فقد وجدنا (مجدل) هذه التي أكّد عليها وجعلها حداً لهذيل في دولة (لبنان) تابعة لبيروت .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق