02‏/04‏/2018

جهالات صالح بن دخيل الله التي يجمّل بها نفسه عند العوام



                                     بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين .

قبل سنتين تقريبا من هذه الأيام , حصل نقاش مع أحد الباحثين من أهل العلم والفضل في بيت لأحد شعراء هذيل وهو قوله :

(كأنهم بين عكوتين إلى ... أكناف بس مجلجل برد)

وكان النقاش في ثبوت هذا البيت وفي معناه  وفي الأماكن التي وردت فيه , وهل هذه الأسماء محفوظة أو مصحّفة ؟ , وهل هذه الأماكن  معروفة أو غير معروفة ؟ وهذا أمر يسير , فهو نقاش لن يغيّر في التاريخ السابق شيئاً , ولن يغيّر في الواقع اليوم شيئاً , ولكن معرفة منازل وبلدان القبائل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وما قبله وما بعده , تفيد الباحث عموماً , وتفيد الباحث خصوصاً في السيرة والسنة وفي الأدب والتاريخ , وإلا فإن الأمر كما قال الله تعالى :  {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «واعلموا أن الأرض لله ورسوله» 

فتدخل أحد العوام وهو : (صالح بن دخيل الله) , وهو رجل عامّي جاهل , فتدخل في نقاش هذا البيت بلا عنان ولا خطام ، فقال إن (عكوتين) هي التي بجوار جيزان ، و(بس) هو الذي بجوار الطائف ، وأن خيل قبيلة هذيل كانت كالسحابة المتصلة من جيزان إلى مكة إلى الطائف ، فأخبرته بأنه ما هكذا تُورد الإبل , وأن فهمه هذا خطأ وتصوّره هذا بعيد جداً ، وقد كنت بداية الأمر أرفق به لعدة أسباب ، منها معرفة قديمة به ، وبسبب أني كنت أحسن الظن فيه وأقول الرجل عامي جاهل لا يفهم النصوص ولا يعرف يتعامل معها ، وبسبب ما يربطني بقبيلة المطارفة بل وبقبيلة هذيل عموماً من روابط القربى والمعرفة والصداقة , ولكنه وبلا أي مقدمات طرأ عليه أن يغيّر اتجاه النقاش ، فقد جعل مسألة البحث وموضوع النقاش على جنبه الأيسر , وأخذ موضوعا آخر بعيدا جدا وأقحمه في النقاش ، وادّعى أنه كان يبحث فيه منذ أكثر من عشرين عاماً ، وهو (منازل قبيلة هذيل في نجد) ولم يكن لهذا الموضوع مناسبة ولا ذكر في النقاش السابق ، ولم يسأله أحد عنه ، فجاء بكل ما هبّ ودبّ وكل ما يعرف وما لا يعرف ، وأحدث جلبة وضجيجا ، ثم صرخ واستنفر من استخف من البسطاء والعوام , فقلت في نفسي لعل الرجل صنع ذلك كي يلفت الانتباه له ، ولكي يصنع من نفسه شيئاً مهماً , وهذا الأمر وإن كان سخيفا إلا أنه لا شأن لي به , بل عليه هو وحده معرّته وإثمه , ولكن عندما تتبعت كلامه وجدت أن الرجل يتعمّد الكذب ويتقصّد بتر النصوص والتلبيس والتدليس ، فلا أدري أيهما أشد صدمة , جرأته على الكذب الصريح أو حماقات استدلالاته واستخفافه بعقول الناس , وقد رددتُ على بعض تلك الجهالات في ذلك الوقت ، وروابط تلك الردود في صفحتي في تويتر ، وتركت كثيراً من حماقاته الواضحة , والتي جعلته محطاً للسخرية والتندر , بعد أن أصبح أغرَّ محجلاً في الحماقة , وعندما وجد صالح أن النصوص تصكه صك الجندل , وكلام أهل العلم يرد عليه ، بدأ يطعن فيهم بل ويطعن في كتب أئمة هذا الشأن ، وهذا لا يستغرب ممن هو مثله ، فهو لا يعرف حتى يتعامل مع الكتاب فلا يميز بين كلام المحقق وكلام المؤلف , ولا المقدمة من الكتاب , ولا الحاشية من المتن , بل ولا يعرف حتى علامات الترقيم , فيظنها رموز وإشارات خفيّة ، وغيرها مما بينته في الردود السابقة ، ثم قام بزعمه بالردّ علي ففضح نفسه وكشف عن بقية مخازيه وجهالاته ، فإنه لم يتكلم في شيء إلا ويفضحه الله ويخزيه ، كما قيل :

يتعاطى كل شيء ... وهو لا يحسن شيئا

فلمّا رأى بعد كشف جهالاته وأكاذيبه أن صورته تهشّمت بل سُحقت وأن كرامته قد تبعثرت ، وأنه لم ولن يستطيع الرد على الحجج ، أتى اليوم يتسحّب يريد أن يرمم صورته ، ويلملم بقية كرامته ، ولكنه أقصر لمَّا أبصر ، فقد تراجع عن أكثر من 90% من الدعاوى السابقة ، كما هو موضح في الخريطة 




 بل قد تراجع عن العنوان كله فغيّره من (منازل قبيلة هذيل في نجد) واختار بدلا منه عنوانا آخر (منازل قبيلة هذيل) وهذا العنوان الآخر لم يقع فيه نقاش أيضاً بل لا خلاف فيه ، فقبيلة هذيل قبيلة عزيزة ، معروفة منازلهم وديارهم في الجاهلية والإسلام ، وقبيلة هذيل غنية بمنازلها وتاريخها قبل أن يخلق الله صالح بن دخيل الله ، وقبيلة هذيل ليست في حاجة لأكاذيب صالح بن دخيل الله وتزويره ، ولكن صالح يزجّ باسم قبيلة هذيل في أي نقاش لا لأجل هذيل ولكن ليصنع من نفسه فارساً ولو بالكذب ، وهذه هي أخلاق فارس التلفزيون والدعاية ، لا أخلاق الفارس الحقيقي .


تنحّلت نعت الخيل لا أنت قدتها ... ولا قادها جداك في سالف الدهر

وهو اليوم يُظهر نفسه في ثوب رجل متعاقل ، وهذا أسوأ من حماقته الصلعاء ، وكما قال شريح رحمه الله تعالى : لئن أزاول الأحمق أحب إلي من أزاول نصف الأحمق ؛ قيل : يا أبا أمية ومن نصف الأحمق؟ قال: الأحمق المتعاقل ، وليعذرني أحبتي على شدة العبارة في ردي على هذا الأحمق ، ولكني وجدتُ أنه لا يستحق أن يخاطب كما يخاطب أهل العلم أو أهل البحث والاسترشاد , وأنه أهل أن يساس بما تساس به البهائم ، وكنت قد عزمت أن لا أرد عليه في مواضيع جديدة ، حتى يرجع إلى الموضوع الأساسي وهو الكلام على (عكوتين) و (بسّ) ، وقد رأيت أنه يتحاشى الموضوع الأساسي ، ويخترع موضوعات فرعية ليطيل وقت النقاش والتفاعل ، حتى إذا جلس مع لبسطاء والعوام يتبجح بأنه ردّ على فلان في موضوع كذا وكذا .

يطلع مطاليع العلا بالسواليف ... بين العذارى عد روحه سنافي 
كم واحد جاله زمانه على الكيف ... واغترته نفسه يبا الجود وافي 


وقد قام بزعمه بالرد علي في مواضع (نخب) و (العرج) و (قرّان) وزعم أنه أتى بأدلة جديدة تصفع وتصعق ، فلما قرأت كلامه وجدته متكثراً بالباطل لأجل التكثر ، فلم يأتِ بجديد ، بل تكرار مقصود ، فالكلام الذي في المقدمة هو الذي في (نخب) وهو الذي في (العرج) وهو الذي في (قرّان) بل يكرر الكلام الواحد في الموضوع نفسه عدة مرات ، حتى يوهم العوام والبسطاء بكثرة الأوراق أنه ردّ ، والعبرة ليست بالكثرة أو القلة ، بل في الحجة والبرهان ، وإن كان سطراً واحداً ، وسوف أورد استدلالاته الجديدة والتي تضاف إلى بقية طرفه ونوادره . 


أمّا المقدمة :

كان صالح بن دخيل الله في السابق يتكلم على المواقع ولا يدري أين هي من أرض الله , فلم يعرف الجبال التي أمام أنفه في تهامة ، وهي معروفة عند الجميع , وكان يزعم أنها في نجد , فافتضح جهله , فقام واستعان اليوم ببرنامج الدارة في معرفة المواقع بحسب المناطق ، وهذا البرنامج يضر صالح ولا ينفعه ، لأنه كما يقول إخواننا المصريون «هبله ومسّكوها طبله» ، فهذا الموقع أو البرنامج يستفيد منه طلبة العلم والباحثون ، أمّا صالح بن دخيل الله فإنه يأخذ الاسم من القصيدة ، ويدخله الموقع ويبحث في غير بلد الشاعر ، وإن كان البرنامج قد حرمنا غرائب صالح وعجائبه ، ولكنه جعل صالح يتراجع عن أكثر جهالاته .

وإذا ورد اسم المكان في الشعر ، فإن الباحث يتوجب عليه لأجل تحديده عدة أمور :
 1- معرفة بلد الشاعر .
 2- لماذا ذكره الشاعر ؟ هل ذكره في الغزل أو في وصف شيء متعلق به ؟ مثل الجبال أو الصيد ونحوه أو يكون مجتازاً  أو غيرها من الأسباب الكثيرة ، وفي هذا الباب زلّ وأخطأ بعض أهل العلم ، فضلا عن صالح بن دخيل الله وهو رجل عامّي .
 3- عدم وقوفه عليه باسمه لا يلزم منه البحث في منازل القبائل الأخرى ، لأنه ربما تغيّر اسمه فلا يعرف اليوم .
 4- لا يلزم وجود اسم مشابه أن يكون هو ، فقد يكون الاسم لموقعين أو أكثر ، بل وقفت على أكثر من عشرين موقعاً لها اسم واحد ، أمّا صالح بن دخيل الله فيقول بكل حماقة وجرأة أن هذا الاسم من بلاد هذيل ولا يوجد إلا في نجد مثل قوله في (الأميلح) ، انظر إلى هذه الجرأة !! وقد نقلت عن محمد بن علي بن هلال الحتيرشي الهذلي ما يكذّب كلام صالح بن دخيل الله ويبيّن جهله , وأنه أمام أنفه في تهامة ولكن لا يعرفه .
 5- وورود اسم مكان أو موقع في الشعر ليس دليلا ولا حجة أنها من بلاد الشاعر ، وصالح بن دخيل الله يظن الديار تملك بالأشعار ، فجعل الخارطة من صنعاء اليمن إلى حائل شمّر ، ومن تثليث الجنوب إلى القصيم ، ومن بلاد نجد على بلاد الحجاز ، فهل يقول ذلك من عنده مسكة من عقل أو شيء من الحياء ؟
 6- لابد من معرفة عصر الشاعر ، فصالح بن دخيل الله لا يميّز بين الشاعر الجاهلي والشاعر الذي في صدر الإسلام والشاعر الذي في القرن الثاني من الهجرة ، وإذا كان مُصرّاً على كلامه فليدّعي بلاد الشام وبلاد مصر فقد ورد ذكرها في أشعار الهذليين .
7- الرجوع إلى بقيّة شعر هذا الشاعر ، أو إلى شعر شعراء قبيلته , وصالح بن دخيل الله لا ينظر في باقي القصيدة ، فيحتج بالبيت والبيت الآخر يردّ عليه ويفضحه .


حقيقة لو أترك العنان لقلمي في تتبع أخطاء صالح بن دخيل الله لطال المقام ، وذلك بسبب أنه لا يكتب سطراً واحداً إلا وتجده يطفح بالجهالات والمغالطات ، بسبب أن قراءته خطأ وفهمه خطأ وتصوره خطأ وبسبب الهوى والجهل وحب الظهور ، فتكوّن من هذا الخليط اختراعات صالح وخرائطه ، لذا لن اتشعب في تتبع وتصحيح أخطائه ، فسيكون ردي على أدلته الجديدة التي زعم أنها تصفع وتصعق ، سأبيّن لكم أدلته الجديدة في مكانها ، فأحمد الله أخي القارئ على نعمة العقل والدين ، وسأرد على بعض المغالطات والتقعيدات الفاسدة ، التي منها قوله : الطائف من منازل هذيل ، فإن مجرد ذكر هذا القول الساقط يغني عن الردّ عليه ، ثم أراد صالح أن يجمع الأقوال كلها ويجعلها (مشكل بالفرن) فانقدح في ذهنه فكرة عبقرية وهي : أن يمطط اسم (السراة) إلى حدود (بيشة) و(تربة) , لماذا ؟ حتى يستطيع أن يدخل (الطائف) و (حرة بس) و (نخب) و (العرج) و (قرّان) في مسمى (السراة) فتكون من بلاد هذيل ، فإنه وجد في نصوص أهل العلم أن قبيلة هذيل قبيلة تهامية كما قال الأصمعي ، وأنهم حول مكة سوى أفخاذا من القبيلة سكنت سراة الطائف الغربية ، وفي سفوحها المنحدرة إلى تهامة في الجنوب الشرقي من مكة ، ومما زاد صالحاً ضلالا الله لا يضره ، أنه وجد نصوصاً لم يفهمها ، أو نصوصا وقع فيها تصحيفا ، مثل جبل (غزوان) ، و مثل (المشقّر) الذي جعله (المشرّق) والحجة واحدة ، فاستدل (للمشرّق) بقول أبى ذؤيب :

حتّى كأنّى للحوادث مروة ... بصفا (المشرّق) كلّ حين تقرع

استدل (للمشقّر) أيضاً بنفس البيت لأبى ذؤيب :

حَتَّى كَأَنِّي لِلْحَوادِثِ مَرْوَةٌ ... بِصَفَا (الْمُشَقَّرِ) كُلَّ يَوْمٍ تُقْرَعَ

فجعلهما موقعين بكل فطنة وذكاء ، وكما مرّ معنا في (لابية) فقد صنع منها عدة مواقع وهي كلمة لا علاقة لها بالمواقع .

وعجيب أمر هذا الرجل لا تجد عنده حجة سالمة أو دليلا مستقيما ، فهل يستقيم بناء التاريخ أو المفاخر على التصحيفات والأخطاء والأغلاط ؟ قبحك الله أنت وبحثك , وخاب وخسر من جعلك دليلا له , وكما قيل : 

ومن يكن الغراب له دليلا ... يمر به على جيَف الكلاب

أمّا (غزوان) الذي يريد أن يجعله حجة أن الطائف من منازل هذيل ، فإن صالح لا يدري أين مكانه ، ولا يستطيع صالح أن يحدد مكان جبل غزوان ، وليحدد مكانه إن كان صادقاً ، ولأنه حاطب ليل تجده ينقل أن الطائف بلاد ثقيف , ثم يقول بعد ذلك وهي من بلاد هذيل ، فلا أدري هل هذه بلاهة أو حماقة أو جهالة ، كما صنع في الركايا وكراش وخنثل ونخب وغيرها كما سيأتي .

أمّا ستدلاله بكلام أبي اسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي الاصطخري، المعروف بالكرخي (المتوفى: 346هـ) في (المسالك والممالك) (24) : «والطائف مدينة صغيرة نحو وادى القرى ، إلا أن أكثر ثمارها الزبيب، وهى طيبة الهواء وأكثر فواكه مكة منها، وهى على ظهر جبل غزوان . وبغزوان ديار بنى سعد وسائر قبائل هذيل، وليس بالحجاز- فيما علمته- مكان هو أبرد من رأس هذا الجبل، ولذلك اعتدل هواء الطائف، وبلغنى أنه ربما جمد الماء فى ذروة هذا الجبل، وليس بالحجاز مكان يجمد فيه الماء سوى هذا الموضع فيما علمته» . فإنه لا حجة فيه ، لأنه وقع فيه تصحيف ، فاسم (غزوان) تصحيف عن (عروان) جبل هذيل الشهير ، فهو الذي تنطبق عليه هذه الصفات ، وهو كما قال عاتق : عن (عروان) من أكرم جبال هذيل ، كثير الأهل مغطاة قممه ومتونه بأشجار العرعر والقرض والضرم ، وفيه العسل والمياه العذبة ، وهواؤه نقي ربعي في زمن القيظ .


وقد نبه  ابن قتيبة (المتوفى: 276هـ) في كتاب الشعر والشعراء (1/83) أن اسم عروان مما يقع فيه التصحيف في عصره .

أما الكلام المصحّف السابق فقد نقله ياقوت  الحموي (المتوفى: 626هـ) على الصواب عن عالم إمام حجة ، فقال في (معجم البلدان) : «عَرْوَانُ : فعلان، بالفتح، كالذي قبله لا فرق إلا الفتح ، قال الأديبي: هو جبل في هضبة يقال لها عروى ، وقال نصر: (عروان) : جبل بمكة وهو الجبل الذي في ذروته الطائف وتسكنه قبائل هذيل وليس بالحجاز موضع أعلى من هذا الجبل ولذلك اعتدل هواء الطائف ، وقيل : إن الماء يجمد فيه وليس في الحجاز موضع يجمد فيه الماء سوى عروان ، وقال ساعدة بن جؤيّة :
وما ضرب بيضاء تسقي دبورها ... دفاق فعروان الكراث فضيمها
وقال أبو صخر الهذلي:
فألحقن محبوكا كأنّ نشاصه ... مناكب من عروان بيض الأهاضب

المحبوك : الممتلئ من السحاب ، ونشاصه : سحابه» انتهى ، هذا هو الكلام الصحيح البعيد عن التصحيف .

وقد نقله أيضاً على الصواب زكريا القزويني (المتوفى: 682هـ) في الكتاب (آثار البلاد وأخبار العباد) (98) قال : «جبل (عروان) يسكنه قبائل هذيل، وليس بالحجاز موضع أبرد من هذا الجبل، ولهذا اعتدال هواء الطائف، ويجمد الماء به وليس في جميع الحجاز موضع يجمد الماء به إلا جبل عروان» انتهى

ومن أهل العلم من يرى أن الجبال السراة القريبة من مكة والمتصلة إلى الطائف هي جبل غزوان ، ومنهم من قال ما كان من الجبال بين مكة والمدينة ، قال أبو محمد الهمداني (المتوفى: 334هـ) في (صفة جزيرة العرب) (40) : «غزوان جبل عرفة العالي ، ثم طلعت الجبال بعد منه وكان منها الأبيض جبل العرج وقدس وآرة والأشعر والأجرد وهذه جبال ما بين مكة والمدينة عن يمين الخارج من مكة إلى المدينة ويسار الصادر إلى مكة وقد ذكرت العرب الحجاز والجلس وتهامة ونجد في أشعار كثيرة وكل ذلك يصدق ما وصفنا» وقال أيضا (173) : «غزوان من أمنع جبال الحجاز وأكثرها صيداً وعسلاً وهو يشاكل من جبال السراة (شنا) وجبل بارق»  لعله (شدا) . ا.هـ قال عاتق البلادي وهذا ينطبق انطباقاً محدودا على جبل (عروان) .

وقد كان البلادي يقول في معجمه الكبير في رسم (عروان) : «ذكر باسم غزوان بالمعجمتين فإذا كان تصحيفاً لعروان بالمهملتين ، فإن الاسم كان شاملاً لسراة الطائف ، ثم اقتصر على هذا الجبل الذي يبعد قرابة خمسين كيلا جنوبا غربيا من الطائف»
ثم عاد ورجّح التصحيف فقال في (معالم مكة التأريخية والأثرية) (185) : «وقد تصحف عَرْوان على الأقدمين فقالوا: غَزْوان، بإعجام الحرفين الأولين، وقالوا هو الجبل الذي على ظهره الطائف» وهو آخر أقواله ، فقد انتهى من تأليف (معجم معالم الحجاز) في ليلة الاثنين 26 ذي الحجة سنة 1395 للهجرة الشريفة ، وانتهى من تأليف (معالم مكة التأريخية والأثرية) في ليلة الخميس الموافق للتاسع من شهر جمادى الأولى سنة 1400 للهجرة الشريفة .

أمّا ماذكره صالح عن (البوباة) و(المليح) و(المناقب) فهذه تضاف إلى طرفه ونوادره ، فهو يذكر الأدلة التي ترد عليه ويستدل بها ، أمّا إذا لم يستطع تحريفها كفر بها ، كما في موضع (البوباة) .

أما (البوباة) و(المليح) فأشهر من أن يكون فيهما نقاش ، وحجة هذا الجاهل معركة  (البوباة) و(المليح) ، ولم يكلف نفسه بأن يقرأ سبب المعركة ، فقد قال السكري في شرح أشعار الهذليين (693) تحت عنوان (يوم البوباة): «كان من حديث معاوية بن تميم بن سعد بن هذيل أنه أصبحت بنو كاهل بن عامر بن برد بظاهر (البوباة) معهم بنو جريب بن سعد بن هذيل (في إثر غيث كان هناك) فجمعت لهم هوازن ورئيسهم مالك بن عوف النصري (وبلغه غرتهم وقلة عددهم)» انتهى كلام السكري وهذا نص من السكري إنما أتوها إثر غيث بحثا عن الكلأ والربيع ، وأنها ليست من ديارهم ، ولو كانت من ديارهم لما ذكر سبب وجودهم هناك ، أما أقوال البلدانيين كياقوت الحموي والزمخشري وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين بأن «البوباة من بلاد بني سعد بن بكر بن هوازن»، فقد ردّها صالح جميعاً وذلك بحجة أنها ربما تسللت إليهم من لغدة ، ولغدة من أعداء هذا الأحمق  الذي يظن الديار تملك بالأشعار ، بل يصل أحياناً إلى مرحلة الطيشان واللا وعي ، فيقول : (والحقيقة أن قرن المنازل والبوباة من منازل هذيل التي لاخلاف عليها) ، وهذا يدل أنه خارج التغطية، قبّحه الله ما أجرأه الكذب ، أما (المليح) فإنه في ذلك اليوم لحق الصريخ الغزو من (البوباة) فأدركهم في (المليح)، فأي حجة فيه ؟ قال السكري في شرح أشعار الهذليين (159) : «وهذا يوم البوباة وهو يوم المليح ، قال أبو نصر : أغار مالك بن عوف النصري على معاوية من هذيل يوم البوباة ، فاستاقوا ديار بني لحيان من بني كاهل بن عامر  ، وبني صرمة ، من بني حريث بن سعد بن هذيل ، فأدركهم الصريخ (بالمليح)» انتهى كلامه ، أما (المناقب) فجميع ما ذكره حجة عليه ، ولكنه لا يفهم ما ينقل ، أما الأبيات الأولى :

فمُوشِكةٌ أَرضُنا أن تَعود ... خلافَ الأَنيس وُحوشًا يَبابا
ولم يَدَعُوا بين عَرْض الوَتيـ ... ـرِ حتّى المَناقب إلاَّ الذِّئابا

أبيات أسامة هذه هي حجة عليه ، فهو يذكر النواحي ، فإن (الوتير) من منازل خزاعة ، بل وما دونها أيضا  و(المناقب) من منازل هوازن ، بل ومنازل هؤلاء وهؤلاء من دونها أيضا .

أمّا أبيات الأعلم قالها عندما وردوا بئر الأطواء المعروفة في جبل (سطاع) المعروف وووجدوا عليه وعلى مناقب الجبل بنو عدي بن الديل من كنانة ، وهذا قول السكري وسياق القصيدة يدل عليه ، فهو يصف جبال الحجاز التي ينظر إليها وإلى المناقب التي عليها بنو عدي ، ولكن هذا (الكموج) لا يفهم شيئا ، وعلى فرض أن المناقب هذه هي الموضع المعروف ، أي حجة في هذا الشعر ؟! والشاعر يذكر أهله وبلاده بجانب وادي نعمان .

رفّعتُ عَينى بِالحجا ... زِ إلى أُناسٍ بالمَناقب
وذكرتُ أهلى بالعَرا ... ء وحاجةَ الشُّعْثِ التَّوالِب
وبجانِبَيْ نَعمانَ قلـ ... ـتُ أَلَنْ يُبَلِّغَنى مآرِبْ

والمناقب كثيرة في جبال الحجاز ، فهي وصف لكل طريق بين الجبال ،  وقد وردت في الأشعار كثيرا ، ويراد بها الوصف ،  قال أحد شعراء هذيل :

فما زِلتُ فى خَوْفٍ لَدُنْ أن رأيتُهمْ ... وفى وابلٍ حتى نَهَتْنى المَناقِبُ
فواللهِ لا أَغْزُو مُزَيْنةَ بعدَها ... بأرضٍ ولا يَغْزُوهمُ لىَ صاحِبُ

ومنازل قبيلة مزينة شمال منازل قبيلة هذيل ، وهي بعيدة عن (المناقب) التي يريدها ويتمناها صالح .

أما (الماوين) و (السر) التي قرب الطائف ليست هي المقصودة في شعر قيس بن العيزارة كما يقول هذا الجاهل , ولو قرأ بقيّة القصيدة وشرح السكري لها لأغلق فمه عن هذه الحماقات , وعرف ما المقصود بالسر .
فقد قال قيس بن العيزارة في نفس القصيدة : 
رِجالٌ ونِسْوانٌ بأكناِفِ (رايَةٍ) ... إلى (حُثُنٍ) ثَمَّ  العُيونُ الدَّوامِعُ
ثَمَّ : أي هناك .
قال السكري : نسوان يَعنِي بَناتَه وأهلَه . في شرح أشعار الهذليين (592)
قال قيس هذه القصيدة عندما أسرته قبيلة فهم ، وأرادوا قتله ، فهو يذكر من سيبكي عليه من أهله في بلاده تهامة ، فـ(جبل راية) و(وادي حُثُن) معروفان اليوم , ولو رجع هذا الجاهل لبرنامج الدارة الذي ضلله بسبب جهله لوجدهما متجاورين في تهامة .
وهذا ما يؤكد ما أقوله دائماً بأنه أجهل خلق الله بأشعار هذيل , أما (قوسى) وذكر صالح لشعر أبي خراش , فإنه بجهله قبل ذلك جعل بدل اسم (قوسى) (حوضى) التي ورا (عرق سبيع) وجعلها من بلاد هذيل , وهذا يؤكد ما أقوله دائماً عن عبثه وجهله بهذا الشعر , لن أناقشه في (قوسى) لأنه لا يفهم , ولا في ترقيعاته في هذه القصة ولا في العدو .


أمّا ذكر (شهار) في شعر أبي صخر ، فلا حجة فيه، فأبو صخر الهذلي وهو شاعر إسلامي من القرن الثاني , كان يمدح عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد وكان عاملا على مكة  لسنة 103 هـ تقريباً , ثم عزل ، فأي حجة في ذكره (لشهار) في قصيدة غزلية ؟ ولكن هذا الجاهل لا يميّز بين الشعر الجاهلي والشعر الذي في صدر الإسلام والشعر الأموي ، وحتى لو كان جاهلياً ، فمجرد الذكر ليس حجة ، ثم لو نظر صالح إلى قصيدة أبي صخر التي بعد هذه القصيدة ، لتأكد له أنه يعيش في خيالات واهية وأوهام مريضة ، ففي شرح أشعار الهذليين (936) قال أبو صخر الهذلي :

وأهلي بوادٍ من تهامة غائرٍ ... بأسفل هضيمة أراك وتنضب 




أمّا كلامه عن (المجمعة) (الجبوب) (أم نخلة) فهذا هو المستوى الحقيقي لعقلية صالح ، ولا أقول مستوى جهله لأن هذه الحماقات لا يقولها عاقل ، وهذا كله من خيال صالح الخصب , وساعده في ذلك الجرأة على الكذب والجهل وعدم الخوف من الله , وتتبع أخطاء وجهالات صالح مضيعة للوقت , وكما قال ابن الجوزي : إنما يُرد على من قلّت أخطاؤه , أمّا من كثرت أخطاؤه فلا يلتفت له .
وكما تقول العامة : (لا أجر ولا جميلة) , يعني : لا أنت بلحية غانمة أكسب فيك معروفا وجميلا , ولا أنت مسترشد أكسب فيك أجرا , وكما يقول بعض السلف : لا تعلقوا الدرّ في أعناق الخنازير .

نرجع لأدلة صالح الجديدة ، صالح ليس لديه تصوّر صحيح لحال العرب لا قديما ولا حديثا ، فيظن هذا المسكين أن القبيلة لها أماكن متفرقة ومنتثرة في بلاد القبائل الأخرى ، مثل الأراضي السكنية في المخططات ، أمّا أدلته التي تصعق وتصفع فهي التي ذكرها في (نخب) و (قران) أمّا (العرج) فلم يأت بجديد ، ولكن مكانها بين (نخب) و (قران) فوجد أنه مضطر أن يدخلها في بلاد هذيل (شيله بيله) ، وكل هذا الهمط والخرط والهذر الكثير والسب والشتم والجهالات المتتالية ، وكل هذا التكرار الممجوج الممل يقصد بها تكثير عدد الأوراق ليوهم نفسه و وهؤلاء البسطاء والعوام أن ردّ ردّاً قوياً ، وهو في الحقيقة تكرار لا جديد فيه .


مجمل الأدلة التي يزعم أنها جديدة :
الدليل الأول : أن ناسا من هذيل وبني الليث من كنانة اختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دم رجل منهم ، وهم ببحرة الرغاء  فهذا يدل على أن نخباً لهذيل !!! وسأبين سخافة هذه الجهالة ، هل رأيتم مثل هذا الاستخفاف ؟!

الدليل الثاني : أن أبا ذؤيب رحمه الله في جاهليته شرب خمراً  في (قرّان) وهذا يدل أن قران لهذيل !!! وسأبين سخافة هذه الجهالة أيضاً بإذن الله تعالى .


الدليل الأول عن (نخب) : 
قال صالح : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَسَلَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَخْلَةَ الْيَمَانِيَةِ، ثُمَّ عَلَى قَرْنٍ، ثُمَّ عَلَى الْمُلَيْحِ، ثُمَّ عَلَى بُحْرَةِ الرُّغَاءِ مِنْ لِيَّةَ ، فَابْتَنَى بِهَا مَسْجِدًا فَصَلَّى فِيهِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: أَنَّهُ أَقَادَ يَوْمَئِذٍ بِبُحْرَةِ الرُّغَاءِ، حِينَ نَزَلَهَا، بِدَمِ، وَهُوَ أَوَّلُ دَمٍ أُقِيدَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ، فَقَتَلَهُ بِه ِ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِلِيَّةَ، بِحِصْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ فَهُدِمَ، ثُمَّ سَلَكَ فِي طَرِيقٍ يُقَالُ لَهَا الضَّيْقَةُ، فَلَمَّا تَوَجَّهَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ عَنْ اسْمِهَا، فَقَالَ: مَا اسْمُ هَذِهِ الطَّرِيقِ؟ فَقِيلَ لَهُ الضَّيْقَةُ، فَقَالَ: بَلْ هِيَ الْيُسْرَى، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا عَلَى نَخْبٍ، حَتَّى نَزَلَ تَحْتَ سِدْرَةٍ يُقَالُ لَهَا الصَّادِرَةُ، قَرِيبًا مِنْ مَالِ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ، .

وجاء عند الواقدي :
قَالَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَدّثَنِي مَنْ رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يَبْنِي بِيَدِهِ مَسْجِدًا بِلِيّةَ، وَأَصْحَابُهُ يَنْقُلُونَ إلَيْهِ الْحِجَارَةَ.  وَأُتِيَ يَوْمَئِذٍ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي لَيْثٍ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ، فَاخْتَصَمُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللّيْثِيّ إلَى الْهُذَلِيّينَ فَقَدّمُوهُ فَضَرَبُوا عُنُقَهُ، فَكَانَ أَوّلَ دَمٍ أُقِيدَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ . وَصَلّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظّهْرَ بِلِيّةَ،
إلى أن قال:
ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لِيّةَ فَسَلَكَ طَرِيقًا يُقَالُ لَهَا: الضّيْقَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ هِيَ الْيُسْرَى. ثُمّ خَرَجَ عَلَى نَخِبٍ .

وقال ابن حزم :
وذكر  أن رجلا من بنى هذيل ببحرة الرغاء حين نزلها طالب بدم، فأقاده صلى الله عليه وسلم 
وكان بالمكان المذكور حصن لمالك بن عوف النصرى، فأمر النبى صلى الله عليه وسلم بهدمه، فهدم.
جوامع السيرة لابن حزم ج١.ص١٩٣ 

هذه أدلته ، أمّا استدلاله و استنباطه فقال صالح : «فما الذي جاء بهذيل من تهامة ليتحاكموا مع كنانة عند رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في دمائهم بالقرب من ليه و نخب ؟»

ثم قال وهو غاية الانتفاش : «أعلم أن هذه النصوص صخرة صماء ، تحطمت أمامها أوهام و تدليس حمود .
كَناطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً ليِوُهِنَها
فَلَمْ يَضِرّْها وأوْهى قَرْنَه الوعِلُ»


قلت : صحيح أن النصوص التي ذكرها صخرة صماء ، ولكنها تفلق رأسه وهو لا يشعر ولا يفهم ، قبل أن أتكلم على استنباطه السخيف سأتكلم عن الدليل ، فقد ورد بروايات عدة وكلها متفقة .

1- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نازلا بـ(بحرة الرغاء) . 
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهدم حصن مالك بن عوف النصري القريب منه .
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم سلك طريق الضيقة التي سماها (اليسرى) .
4- أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يحول بين ثقيف ومددهم من بني نصر ، فهو بين ديارهم .
5- أن النبي صلى الله عليه وسلم اتجه بعد ذلك إلى ثقيف ونزل في صدر (نخب) عند سدرة الصادرة .
 ولا زالت تلك الأماكن التي ذكرت كلها معروفة اليوم ، في بلاد هوازن من ثقيف وبني نصر .

ومن بلاهة صالح بن دخيل الله كعادته ينقل الأدلة التي ترد عليه ويستدل بها ، ففي الدليل الأول الذي نقله عن ابن إسحاق وابن هشام في السيرة ، قال : «ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا عَلَى نَخْبٍ، حَتَّى نَزَلَ تَحْتَ سِدْرَةٍ يُقَالُ لَهَا الصَّادِرَةُ، قَرِيبًا مِنْ مَالِ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ» وكعادة صالح بن دخيل الله  في التدليس والكذب حذف بقية الرواية حتى لا ينكشف .

وهو قوله : «فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِمَّا أَنْ تَخْرُجَ وَإِمَّا أَنْ نُخَرِّبَ عَلَيْكَ حَائِطَكَ، فَأَبَى أَنْ يَخْرُجَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِخْرَابِهِ» .

وبهذا يتبين أن الثقفي في حائطه (مزرعته) في بلاده نخب ، وبهذا رجعت الصفعة على خد هذا الجاهل ، وأزيده صفعة أخرى : ففي (أخبار مكة)  للفاكهي   حديث  (1483) ‏‏ قال : فحدثني محمد بن صالح البلخي قال : ثنا مكي بن إبراهيم قال : كنا مع عبد العزيز بن أبي رواد في المسجد الحرام فأصابنا مطر شديد وريح شديدة ورعد وهد ، فقال عبد العزيز : خرج سليمان بن عبد الملك إلى (الطائف) ، فأصابهم نحو من هذا ببعض الطريق ، فهالهم وخافوا ، فأرسل إلى عمر بن عبد العزيز وكانوا إذا خافوا الشيء أرسلوا إلى عمر فجاء عمر فقال : يا عمر ، ألا ترى ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا صوت رحمة ، فكيف بصوت غضب ؟ قال : فدعا ببدرة فيها عشرة آلاف درهم ، فقال : خذها فتصدق بها قال : يا أمير المؤمنين ، أوخير من هذا ؟ قال : وما هو ؟ قال : قوم صحبوك من الشام في مظالم لهم فلم يصلوا إليك قال : فأدخلهم علي قال : فأدخلهم عليه ، فكتب لهم في مظالمهم فردت إليهم وزاد غيره : فخرج سليمان إلى الطائف ، فلما قدم سليمان بن عبد الملك الطائف أتى ماء يقال له (الجال) بـ(نخب)  ، فلقيه أبو زهير أحد بني سالم من (ثقيف) ، فقال : يا أمير المؤمنين ، اجعل منزلك علي قال : إني أخاف أن أفدحك قال : كلا ، إن الله تعالى قد رزق خيرا قال : فنزل فرمى بنفسه على بطحاء (الطائف) ، فقيل له : الوطاء فقال : لا ، هذا البطحاء أحب إلي وأعجب فألزمه بطنه ، وأتي بخمس رمانات فأكلهن ، فقال : أعندكم غير هذا ؟ قالوا : نعم فجعلوا يأتونه بخمس خمس حتى أكل سبعين رمانة ، ثم أتي بخروف وست دجاجات فأكلهن ، وأتوه بصبيب من الزبيب يكون قدر مكوك على نطع فأكله أجمع ، ثم نام فانتبه فدعا بالغداء ، فأكل مع أصحابه ، فلما فرغ دعا بالمناديل فكان فيها قلة ، وكثر الناس ، فلم يكن عنده من المناديل ما يسعهم ، فقال : كيف الحيلة يا أبا زهير ؟ فقال أبو زهير : أنا أحتال فأمر بالضرم والخزامى وما أشبهها من الشجر فأتي به ، فامتسح به سليمان ، ثم شمه فقال : يا أبا زهير ، دعنا وهذا الشجر نمسح به أيدينا ، وخذ هذه المناديل فأعطها العامة ثم قال : يا أبا زهير ، ما هذا الشجر الذي ينبت عندكم ؟ أشجر الكافور ؟ قال : لا فأخبره به ، فأعجب به سليمان وقد قال امرؤ القيس بن حجر الكندي يذكر هذا الشجر ، ويشبهه بريق امرأة ، يشبه ريقها وريحها بريح هذا الشجر ، فقال :
 كأن المدام وصوب الغمام
 وريح الخزامى ونشر القطر

 يعل به برد أنيابها
 إذا طرب الباكر المستحر

 قال : فلما فرغ ، قال أبو زهير : افتحوا الأبواب ففتحت الأبواب ، فدخل الناس فأصابوا من الفاكهة ، فأقام سليمان يومه ومن الغد ، ثم قال لعمر : لا أرانا إلا قد أضررنا هذا الرجل ، فارحل عنه فنظر إلى الوادي فقال : لله در (قسي) ، أي (واد) أنزل أفرخه لولا هذا الحرار ونظر إلى جرن فيها زبيب فظنها حرارا ، فقال له عمر : هذه جرن الزبيب ....الخ انتهى المراد .

قلت : و(قسيّ) هو ثقيف ، وهذه من الأمور التي لا تحتاج إلى دليل أو تفسير ولكن هذا الأعمى لا يبصر إلا هواه وجهله .


أما قول صالح : «فما الذي جاء بهذيل من تهامة ليتحاكموا مع كنانة عند رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في دمائهم بالقرب من ليه و نخب ؟» .
 قلت : هل الواجب عند صالح أن يذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى تهامة حتى يحكم بين الناس ؟ أو يذهب منازل الناس ليحكم بينهم ؟ حقيقة هذا الجاهل يحتاج أن يؤدب شرعاً ويعزر ، وعلى هذا القول النشاز يلزمه إلزامات كثيرة باطلة.

أما قوله الأخير :
كَناطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً ليِوُهِنَها ... فَلَمْ يَضِرّْها وأوْهى قَرْنَه الوعِلُ

فصحيح فإن صالح بن دخيل الله  لم يضر إلا نفسه .

أمّا كلامه على موقع (العرج) فلولا خشية الإطالة والخروج عن الردّ لذكرت غرائب وطرائف وحماقات صالح فيه ، ولكن سأذكر شيئاً يسيراً ، فقد تأنق صالح في الجهالات والتعالم هنا غاية التأنق ، فأصبح يتكلم عن اللغة والضبط وهو لحّانة جَلْد ، كما قال الشاعر :

وألحن الناس كل الناس قاطبة ... وكان يولع بالتشقيق في الخطب

 وخذوا  هذا المثال التحفة :

قال صالح : «فقال أبو ذؤيب الهذلي :
هم (رجّعوا) بالعرج والقوم شهد
هوازن تحدوها حماة بطارق
ثالثا : من الواضح أن المعنى لا يستقيم البته ، بما زعمه حمود أن المقصود الإبل ، فكيف يكون المقصود الإبل ، والبيت يشير أنهم (رجّعوا) هوازن ، و مدلول اللفظة مضعفة بالتشديد يراد بها ردوا المعتدي بالعرج ، ولم يقل رجعوا بالعرج بالفتح المخفف بمعنى عادوا !!؟ فهذه لفتة
واضحة ومهمة ، ولايمكن لمثل حمود أن ينتبه لها !؟» انتهى كلامه .

قلت : لا أريد أن أكرر أو أعيد كلام أهل العلم على بيت أبي ذؤيب ، فقد ذكرته في ردي السابق على موضع (العرج) في صفحتي ، إنما أريد أن يرى الناس تخبط هذا الجاهل وعبثه في اللغة والشعر ، فقد خالف هنا النقل والسماع والإجماع من رأسه بلا أي حجة إلا الجهل ، ثانيا : أنه بهذا التشديد على حرف الجيم (رجّعوا) كسر البيت وعجن الشعر ، أي شعر يدعي معرفته ؟! ، ثم قام يتبختر في هذه الجهالة ويترنّح طربا ، ويقول : «فهذه لفتة واضحة ومهمة ، ولايمكن لمثل حمود أن ينتبه لها !؟» مشاء الله ، الله لا يضرك ، صحيح هذه اللفتة لا يمكن لأحد في الدنيا يتنبه لها إلا أنت وحدك .

 متى ينتهي هذا العبث الصبياني ؟. وقد أتى صالح في كلامه عن (العرج) بجهالة صلعاء أخرى فقال : إن (العرج) القريب من المدينة من منازل هذيل ، وقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ أدلاء من خزاعة في ديار هذيل حتى هذيل لا يخبرون قريشاً ، انظر إلى هذا العبث في السيرة ، وانظر إلى هذا الغباء في الاستدلال ، إلى الله المشتكى .



دليله الثاني عن (قران) :

وهو أسوأ من استدلاله السابق ، بل لا أجد كلمة أصف بها هذه السخافة وقلة الحياء وصفاقة الوجه .

دليله قال أبو ذؤيب :

رأتني صريع الخمر يوما فسؤتها ... بِقُرّان إن الخمر شعث صحابها

فبمجرد أن ذكر أبو ذؤيب أنه شرب الخمر حتى سكر في (قران) ، أصبحت قران من منازل هذيل ، أي عبث هذا ؟! بغض النظر هل هي التي في الطائف أو التي في تهامة ، والتي وردت أشعار هذيل وخزاعة ، كم في شعر  قيس بن الحُدادية الخزاعي الشاعر الجاهلي :

وإن ضعيف الرأي من هاج شوقه ... خيام على (قرّان) بادٍ ثمامها

فهل يقول عاقل بمثل هذا الاستدلال ، ولو رجع لقصيدة أبي ذؤيب ، لوجد أنه يصف خمراً أُتي بها من الشام إلى الطائف وإلى سوق عكاظ ، ويصف بني ثقيف في ديارهم ، ثم يصف العسل الذي شيب بهذه الخمر ، ومن أين أتي به .

وهذا القول وهو أن من شرب خمراً حتى سكر في بلد فهي من بلاد قبيلته ، لا أظن يقول به أحد من العالمين إلا صالح بن دخيل الله . 


حقيقة جهالات صالح لا تنتهي ولن أتتبعها كما قلتُ سابقاً ولكني أنقل نتف مما لا يجوز تجاوزه وتركه ، فقد ذكر كلاماً سيئاً عن لغدة وعن حمد الجاسر ، ثم فضح نفسه وذكر أسباب هذه الحملة المسعورة على كتاب لغدة :

أولا : أنه من أقدم الكتب التي وصلت إلينا في البلدانيات تنقل كلام الأصمعي الذي أصبح شجاً في حلق صالح ، فسعى إلى التشكيك في الكتاب تارة وفي التعليقات تارة وفي الرواة تارة وفي المؤلف تارة ، بل وصل به الحال إلى التفوّه بسخافات جعلته موضوعاً للسخرية والتندر في مجالس أهل العلم والفضل ، بل وحتى عند العامة .

ثانياً : وهذا السبب هو الجوهر ، وهو أن لديه مشكلة شخصية مع تاريخ وجغرافياء وبلدان قبيلة هوازن ، وهذه المشكلة لن يجد لها ما يطفئ غليله ، حتى وأن شرب البحر الأحمر ، فهمومه وغمومه دائمة مقيمة وفي ازدياد , فهو يطاول طويل ويصادم جبال ، كما قيل :

ألم تر أن السيف ينقص قدرُه ... إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

سأنقل كلامه كاملاً الذي تعقّب به لغدة بزعمه وفضح به نفسه وأخزاها .


قال لغدة ناقلا كلام الأصمعي  في كتاب بلاد العرب ص (27): «ثم تصير إلى البُُوبًات وهي صحراء ، وهي بلاد سعد بن بكر ، وقرن وهو بين المناقب و البوبات وهي أقصي البوباة وهي وادٍ يجيء من السراة لسعد بن بكر ، ولبعض قُرَيْش ، وبقرن منبر» 

قال هذا الجاهل صالح بن دخيل الله : 

((قلت : بسبب قول لغدة هذا ظن بعض الجهلة أنه من أقوال الأصمعي ، وهذا محض إفتراء على الأصمعي ، وقد أوضح هذا الأمر محقق الكتاب حمد الجاسر في مقدمته بأنه ليس من أقوال الأصمعي .
وجميع الأقوال التي ذكرت أن البوباة وقرن المنازل من ديار سعد بن بكر كلها جاءت بعد قول لغدة هذا ، كما عند الزمخشري وياقوت وغيرهم ، ويؤكد ذلك أن جميع أقوالهم جاءت بنفس صيغة لغدة .!

وإذا نظرنا إلى أكثر رواة لغدة هم من الأعراب (ومن أعراب هوازن) بالذات وقد جعلوا (ثلثي جزيرة العرب من بلادهم) !! ، وهذا لايستغرب من بعض الأعراب ، وقد خالفوا في هذا جميع أقوال علماء السيرة والبلدان والتاريخ والنسب . 
فليت لغدة إذ لم يبرح العراق وأراد أن يأخذ من أقوال الأعراب عن الاماكن والمياة والجبال في جزيرة العرب لم يأخذ من أعراب قبيلة دون الأخرى ، أو سأل كل ناسٍ عن ديارهم فلا يعلم الديار مثل أهلها .
 وحال أعراب الجزيرة لا يخفى على مثل لغدة ، من تحدٍ ومن تنافس على المياة وعلى المرابع والديار وبالأخص القبائل ذات الحدود مع بعضها .
ناهيك عن شروعه في ذكر المنازل دون مقدمةٍ يشرح فيها طبيعة الكتاب ، أو عن تنقلاته الغريبة في الحديث من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب ، بدون مسوغ مما يبعث الشك أن الكتاب قد طالته يد التحريف أو يلفه الغموض كما في كتاب عرام الأصبع ! .

والبوباة من بلاد هذيل والتي تتوسط منازلهم التي شرع العلماء في تفصيلها ، ولهم بها يوم شهيرا بينهم وبين هوازن التي يدعي لغدة أنها من بلادهم))


نقلت جهالاته حتى يحكم عليه القارئ الكريم .