29‏/11‏/2018

بحث لغوي عن وصف «العيوف» من الإبل . #فوائت_يقينيّة من اللغة .


                                           بسم الله الرحمن الرحيم 


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله . 

قام علماء الإسلام -رحمهم الله تعالى- من المتقدمين والمتأخرين بتأليف معاجم  اللغة العربية ، فكان لهم الفضل على أهل الإسلام في تفسير وشرح معاني ألفاظ الكتاب والسنة والأشعار ، بل واللغة عموماً ، وأصبحت هذه المعاجم اللغوية هي المرجع الذي يرجع إليه العالِمُ والمتعلم ، ومع كل هذه الجهود المباركة ، إلاّ أن الكمال لله ولكتابه ، كما قال الله سبحانه وتعالى :  (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) ، فوقع فيها بعض النقص من الفوائت ، أو الأوهام والأخطاء والتصحيف ، ثم قام من سدّ هذا الخلل من السابقين والمتأخرين من أهل العلم ، وبيّن بالحجة والدليل والبرهان وجه الصواب ، ولا زال أهل العلم المعاصرون يسدّون هذا الخلل ويصححون هذا الخطأ ، جزاهم الله خيراً أجمعين ، وجمعنا الله بهم في جنات النعيم ، إخواناً على سرر متقابلين .


قلتُ : فمن ذلك : وصف «العيوف» من الإبل ، وهي عند البادية الذين أدركتهم في عالية نجد ، هي التي ترد الماء لتشرب فإذا دنت منه ووجدته كدراً ورنْقاً ، عافته وتركته تقذّراً  ، فـ«العيوف» من الإبل  هي التي لا تشرب على القذى ، وهذا الذي تشهد له أشعار العرب المتقدمين ، وأشعارهم هي مرجع اللغويين وحجتهم .







ولكن أصحاب المعاجم قد اختصروا الوصف اختصارا مخلاً ، فتغيّر المعنى :

قال في الصحاح (2/9) : «والعَيوفُ من الإبل: الذي يشمّ الماء فيدعه وهو عطشان».

وكذا قال جلّ أصحاب المعاجم ، كما في : 

العباب (1/484) ، القاموس المحيط (1086) ، والتاج (24/197) ، التهذيب (3/147) ، العين (2/260) ، اللسان (9/260) ، الأساس (328) .

قال في التاج (2/25) : «عافت دوابهم الماء ، فلم تشربه قاله ابن السكيت» . 

وقد خالف صاحب المحكم ، ونقل كلامه صاحب اللسان ، فذكر وصفاً وقيداً يفسد المعنى ويزيد الطين بلّة ، وهو قوله :  [وهو صاف]  .

 فقال ابن سيده في المحكم (257) : «والعيوف من الإبل الذي يشم الماء [وهو صاف] فيدعه وهو عطشان» .


وهذا خلاف الصواب ، فـ(العيوف) هي التي لا تشرب على القذى ، ولا تشربه كدراً ورنقا .


فمن الأدلة : الشعر :


1- قال جميل العذري : 

وإني للماءِ المُخالِطِ للقَذى
إذا كَثُرَتْ وُرّادُهُ ، (لَعَيوفُ) 


2- قال في الأساس (328) :

وإني لشرّاب المياه إذا صفت
وإنّي إذا كدّرتها (لعيوف)



3- قال في الجيم (1/129) : «وقال أبو زياد: المطروفة من النساء: الناشز. وأنشد أبو زياد لامراة من بني عمرو بن كلاب كان تزوجها رجل من بني نمير :

لقد تَشرَبُ (العَيْفا) عَلَى الشِّرْبِ بالقذَى 
فَلا الماءُ مَتْرُوكٌ ولا الشُرْبُ ناصِحُ

فهلْ فِي ذُرَى (دَمْخٍ) و(ثَهْلانَ) مَذْهَبٌ
لِمَطرُوفَةٍ قَدْ مَسَّها القَيْدُ طامِحُ

إِذا هبَّتِ الريحُ الجَنُوبُ وَجَدْتُها
تَهِيجُ جَوًى بَيْنَ الضُلُوع الجوانِح» .

قلت : بلاد أهلها بني عمرو بن كلاب في (دمخ) جنوب (ثهلان) بلاد بني نمير قوم زوجها ، فكل ما هبت ريح الجنوب زادت حنينا لبلاد أهلها .



4- قال ابن طيفور في بلاغات النساء (96) : «قالت امرأة من بني نهشل :

وقد تشرب الماء (العيوف) على القذى 
وفي النفس منها علة ما تصيبها» .


5- قال ابن أبي ربيعة:

فسافَت وما عافت وما صَدَّ شربها
عن الرِّيِّ مطروقٌ من الماء أكدرُ

قلت : أي التي تعاف الماء المطروق والأكدر هي العيوف .


6- ذكر الخالديان في الأشباه (1/124) : «قال عبد الله بن موسى:

ألم تعلَمِي يا ضلَّ رأيُكِ أنَّني
لِوصْلِ الغواني مُتلف ومفيدُ

وإنِّي لمطروق المياه ، ورَنْقِها
عيوفٌ ، وللعَذْب الفُرات وَرودُ» .




ومن الأدلة : أقوال العلماء 

1-ابن الأعرابي

قال في التهذيب (13/182) :«وأنشدني أبو بكر الإياديّ بيت الأعشى :

ولَبُونِ مِعْزابٍ أَصبْتَ فأَصبحتْ
غَرْثَى و(آزبةٍ) قَضبتَ عِقالَها

ورواه أبو العباس عن ابن الأعرابي : ( وآزية ) بالياء ، وقال هي : العَيُوفُ والقَذُور كأنها تَشرَب من الإزاء وهو مَصَبُّ الدَّلْو» .

قلت : تشرب من مصب الدلو لأنه صاف لم يكدر .


قال في التاج (2/25) : «قال الأعشى : 

 ولبون معزاب أصبت فأصبحت 
 غرثى وآزبة قضبت عقالها 

 قال الليث : هكذا رواه أبو بكر الإيادي بالباء الموحدة ، قال : وهي التي تعاف الماء وترفع رأسها ، ورواه ابن الأعرابي بالياء التحتية ، وقال : هي العيوف القذور ، وكأنها تشرب من الإزاء وهو مصب الدلو» .

قال في اللسان (1/212) : «وآزية بالياءِ قال وهي العَيُوفُ القَذُور كأَنها تَشْرَبُ من الإِزاءِ وهو مَصَبُّ الدَّلْو» .


2- ابن فارس

قال في معجم المقاييس لابن فارس (4/197) : «والعُيوف من الإبل: الذي يَشَمّ الماءَ وهو عطشانُ فيدعُه، وذلك لأنّه يتكرّهُه. وربما جُهِد فشرِبَه. قال ابن [أبي] ربيعة:

فسافَت وما عافت وما صَدَّ شربها
عن الرِّيِّ مطروقٌ من الماء أكدرُ» .


وقد قيل :
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى
ظمئتَ وأيُّ الناسِ تصفو مشاربُه


وكتب / حمود بن مطلق الدغيلبي

مكة المكرمة حرسها الله 

ليلة الخميس  20/3/1440  هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق