بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
ورد ذِكرُ جبال (الأخشبين) أو الأخاشب في نصوص كثيرة ، منها أحاديث في الصحيحين ، وأحاديث في السنن والمسانيد ، وآثار عن الصحابة والتابعين ، وأشعار في الجاهلية والإسلام ، فهي في غاية الشهرة ، ومع هذه الشهرة فقد أخطأ كثير من أهل العلم رحمهم الله تعالى ، في تعيين مكانها ، مما سبب خللاً في شرح الأحاديث وفهمها ، ولعل من أسباب هذا الخطأ تعدد المواقع وتشابه الأسماء ، وخاصة عندما يحمل الاسم وصفاً جغرافيا ينطبق على أكثر من مكان ، كما هو الحال هنا في (الأخشبين) و(الأخشبان) تثنية أخشب ، فهو اسمٌ يحمل وصفا ، كما يقول أهل اللغة .
قال الخليل في العين (4/172) : «وكلّ شَيْءٍ خَشِنٍ من أرضٍ ونحوهما فهو أَخْشَب ، والأَخْشَبُ مكانٌ من القُفِّ غليظٌ ، وقد يكون سَفْحُ الجَبَلِ أَخْشَبَ ، وأَخاشِبُ الصَّمّانِ : جبالٌ اجتمعْنَ بها في مَحلَّة بني تميم» .ا.هـ
وقال ابن دريد في الجمهرة (1/122) : «والأخْشَب: الأرض الغليظة، وجمعه أخاشِب. وقد سمّوا خشبان، ومن هذا اشتقاقه ، و(أخْشَبا مكّة) : جَبلاها ، و(أخشَبا المدينة) : حَرَتاها المكتنفتان لها ، وجملٌ خَشِب، إذا كان غليظاً. قال ذو الرُّمَّة :
شَخْتُ الجزارة مثلُ البيت سائرُه
من المُسوح خِدَبّ شَوْقَب خَشِبُ
وصف ظليماً شختَ الجزارةِ ، أي دقيق القَوائم مثل البيت ، يريد مثل البيت من الشَعر ، وسائره أي سائر الظليم من المُسُوح، أي أنه أسوَد ، والخِدَبّ : الضَخم ، والشَّوْقَب: الطويل ، والخَشِب : الغليظ الجافي» . ا.هـ
وقال الأزهري في تهذيب اللغة (7/44) : «قال شمِر : الأَخشَبُ من الجبال : الخَشِنُ الغليظ ، ويقال : هو الّذي لا يُرْتَقَى فيه ، وأرضٌ خشْبَاءُ _ وهي التي كَأَنَّ حِجارَتَها منثورةٌ متدانِيَةٌ ، وقال رُؤْبَةُ :
بِكُلِّ خشْبَاءَ وَكُلِّ سَفْحِ
وقال أَبُو النَّجْمِ :
إِذَا عَلَوْنَ الأَخشَبَ المَنْطُوحَا
يريد : كأَنَّه نُطِحَ ، قال : والخَشْبُ : الغليظ الْخَشِنُ من كل شيء ، ورجل خشِبٌ : عَارِي العظم ، بادِي العصب ، والجَبْهةُ الْخَشْبَاءُ : الكريهة ، وهي الْخَشِبَةُ أيضاً ، ورجل أَخْشَبُ الجبهة وأنشد :
إِمَّا تَرَيْني كَالْوَبِيل الأَعْصلِ
أَخشَبَ مَهْزُولاً وإِنْ لَمْ أُهْزَلِ
وفي حديث عُمَرَ : ( اخشَوْشِنُوا واخشَوْشِبُوا ، وَتَمَعْدَدُوا ) ، يقال : اخشَوْشَبَ الرجل _ إذا صار صُلْباً خشناً ، قال شمِر : وقال الْعِتْرِيفيُّ : الْخُشْبَانُ :الجبال الخُشْنُ ، التي ليست بضِخَامٍ ولا صِغَارٍ» . ا.هـ
من الكلام السابق يتضح أن الاسم (الأخشبين) أو الأخاشب في (مكة) و (المدينة) و (الصمان) وغيرها كما سيأتي بإذن الله ، وفي هذا الكلام ردّ على بعض أهل العلم ، الذين يقولون : هي جبال مكة خاصة .
والذي يهمنا في هذا البحث هو ما يتعلّق بـ(الأخشبين) من جبال مكة وما حولها فقط ، وهي عدة أماكن ، مما سبب اللبس في الفهم للكثير كما سبق ، وعدم اصطحاب علم البلدان ومعرفة المواقع وعلم الأنساب ومعرفة القبائل ، أثناء القراءة في السُنة والسيرة ، أو القراءة في الشعر والأدب ، يوقع في الوهم وعدم الفهم ، ومن ذلك ما ورد في :
1- صحيح البخاري - كتاب بدء الخلق (3075) أن عائشة رضي الله عنها ، قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ، قال : «لقد لقيت من (قومك) ما لقيت ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم (العقبة) ، إذ عرضت نفسي على (ابن عبد ياليل بن عبد كلال) ، فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ، فلم أستفق إلا وأنا بـ(قرن الثعالب) فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل ، فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، فناداني ملك الجبال فسلم علي ، ثم قال : يا محمد ، فقال ، ذلك فيما شئت ، إن شئت أن أطبق عليهم (الأخشبين) ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ، لا يشرك به شيئا» .
والحديث أخرجه مسلم في الصحيح (3440) ، وهو في مستخرج أبي عوانة (5533 ) ، وصحيح ابن حبان (6663) ، وفي السنن الكبرى للنسائي (7452) ، والمعجم الأوسط للطبراني (9077) ، والتوحيد لابن خزيمة (55) ، ومستخرج الطوسي على الترمذي (666) ، والأسماء والصفات للبيهقي (375) ، والشريعة للآجري (989) ، والتوحيد لابن منده (400) ، الحجة في بيان المحجة لقوام السنة (41) ، دلائل النبوة لقوام السنة (106) ، وشرح السنة للبغوي (3653) ، وأخبار مكة للفاكهي (2555) ، ودلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني (210) ، ودلائل النبوة للبيهقي (689) ، وأمالي ابن بشران (504) ، وهواتف الجنان لابن أبي الدنيا (2) .
قلت : وقع كثيرٌ من شرّاح هذا الحديث من المتقدمين ومن المتأخرين -رحمهم الله تعالى- في أخطاء فاحشة ، بدّلت وغيّرت فهم الحديث ، بل وعارضت ظاهر النص ، في هذا الحديث ثلاثة مواقع ، قام الشرّاح بتفريقها في الحجاز ، وهي كلها في مكان واحد ، فمن أوهامهم في فهم وشرح هذا الحديث :
1- في قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة : «لقد لقيت من (قومك) ما لقيت» .
قلتُ : قوم عائشة هنا قريش ، وهو ظاهر النص ، وعلى التوسع هم (كنانة) ، ولكن ليسوا بهوازن أو ثقيف كما يقول الشرّاح ، ويؤيد أولَ الحديث آخرُه وهو قوله صلى الله عليه وسلم : «إن الله قد سمع قول قومك لك» .
2- قوله صلى الله عليه وسلم : «كان أشد ما لقيت منهم يوم (العقبة)» .
قلتُ : قوله : يوم (العقبة) حدّد أمرين ، المكان والزمان .
(ا) : المكان في (منى) عند جمرة العقبة ، والعقبة نسبة للعَقَبَة التي في طَرَف مِنى وهي ثنيّة وطريقٌ في الجبل ، وعرٌ يرتقى بِمَشَّقة ، وكانت الجمرة في أصل هذا الجبل ، والتي كانت عندها بَيعَة الْعَقَبَة ، وكانوا يقولون في تحديدها (ليلة العقبة) كما قال صلى الله عليه وسلم : (يوم العقبة) ، وليس كما يقول الشرّاح إنها في (الطائف) أو إنها عقبة في طريق الطائف .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة في الفقه (3/528) : وسميت جمرة العقبة لأنها في (عقبة مأزم منى) وخلفها من ناحية الشام واد فيه بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه و سلم بيعة العقبة وقد بني هناك مسجد فيبدأ برمي هذه الجمرة قبل كل شيء كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم .
(ب) : الزمان هو يوم رمي جمرة العقبة وهو يوم النحر ، وليس كما يقول الشرّاح إنه كان في شهر شوال سنة عشر من المبعث .
3- قوله صلى الله عليه وسلم : «عرضت نفسي على (ابن عبد ياليل بن عبد كلال)» .
قلتُ : خالف الشرّاح ظاهر النص بلا حجة إلا مشابهة اسم من الأسماء ، فقالوا هو : عبد ياليل بن عمرو الثقفي ، وأظنهم بسبب هذا الاسم نقلوا الحدث كله إلى الطائف ، لم أجد له ترجمة (ابن عبد ياليل بن عبد كلال) ولم يأتِ أحد بترجمة له ، بل أتوا بترجمة عبد ياليل بن عمرو الثقفي وأخيه وكنانة ، وظاهر النص أن (ابن عبد ياليل بن عبد كلال) قرشي أو على الأبعد كناني .
4- قوله صلى الله عليه وسلم : «فلم أستفق إلا وأنا بـ(قرن الثعالب)»
قلتُ : وهنا أخطأ أكثر الشرّاح -رحمهم الله- فجعلوا (قرن الثعالب) هو (قرن المنازل) ميقات أهل نجد ، وهذا خطأ واضح / ومنهم من توسط وقال : (قرن الثعالب) اثنان ، أحدهما في منى والآخر قرن المنازل ، ورجح أنه قرن المنازل في شرح هذا الحديث وهذا خطأ .
أولاً : لا يعرف قرن المنازل عند المتقدمين بقرن الثعالب .
ثانياً : على فرضية صحة التسمية فالحادثة وقعت في (منى) فالمقصود هو قرن الذي في (منى) ، ثم إن قرن الثعالب أو قُرين الثعالب مشهور ومعروف بمنى .
1- قال الفاكهي في أخبار مكة (2555) : «ومن مسجد منى إلى (قرين الثعالب) ألف ذراع وخمسمائة ذراع وثلاثون ذراعا . و(قرين الثعالب) جبل مشرف على أسفل منى ، ويقال إنما سمي قرين الثعالب لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب» .
وقال المحقق الشيخ عبد الملك بن عبدالله بن دهيش -رحمه الله- في الحاشية على هذا الكلام : «وقرن الثعالب سألت عنه الشريف محمد بن فوزان الحارثي ، فأخبرني أنّه القرن الذي يقابل ريع البابور من الشمال ، وقد أزيل رأسه وسوي بالشارع الموازي لجسر الملك خالد حتى صار أشبه بهضبة من الهضاب ، ويطلق عليه اليوم (ربوة) ويُرى على طرفه الغربي الشارع القادم من جسر الملك خالد» .
2- في أخبار مكة للأزرقي (2/582) : «ومن وسط مسجد مِنَى إلى (قرين الثعالب) ألف ذراع وخمسمائة ذراع وثلاثون ذراعًا» .
3- في أخبار مكة للأزرقي (2/587) في ذكره عدد الأميال من المسجد الحرام إلى موقف الإمَام بعرفة وذكر موضعه ، قال : «وموضع الميل الخامس وراء (قرين الثعالب) بثمانية أذرع»
4- روى البخاري في التاريخ الكبير (205) بسند فيه كلام عن جابر بن عبد الله ، قال : «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واقفا على (قرن الثعالب) يوم النحر » ، وأخرجه الطبراني في الدعاء (806 ) .
5- وفي الطبقات الكبرى لابن سعد (5946) : «عن جعفر , عن أبيه أن علي بن حسين كان يمشي إلى الجمار , وكان له منزل بمنى , وكان أهل الشام يؤذونه , فتحول إلى (قرين الثعالب) أو قريب من (قرين الثعالب) , وكان يركب , فإذا أتى منزله مشى إلى الجمار»
6- وفي المعرفة والتاريخ ليعوب بن سفيان (1/401)يقول سفيان عن ابن طاوس : «فاتّبعته إلى مِنى فنزل (قرن الثعالب) ، وضرب حباله ، فعلمت موضعه بصخرة في الجبل» .
7- وفي تاريخ بغداد (15/666) : «قال إبراهيم الحربي : حج وكيع، فكان لا يفتي بمنى حتى يرجع إلى مكة، فجاءه رجل إلى منى وهو عند (قرن الثعالب) محتبي ، فقال : يا أبا سفيان، بت البارحة بمكة، وكان جاء إلى طواف الزيارة، فنام بمكة، قال: فقال لرجل بجنبه خراساني: قل له ذلك، قل له، قال: فقال لي: إن أبا سفيان لا يفتي بمنى»
8- قال البكري في المعجم (3/1067) : «قرن الثعالب جمع ثعلب موضع تلقاء مكة ، قال نُصيب :
أجارتنا في الحج أيام أنتم
ونحن نزول عند قرن الثعالب» .
وقد أوقع كلام الشرّاح للحديث بعض البلدانيين في الخطأ ، قال ياقوت في المعجم (4/332) : «وقال القاضي عياض قرن المنازل وهو قرن الثعالب بسكون الراء ميقات أهل نجد تلقاء مكة على يوم وليلة» ، قلتُ : ولم يتعقبه ياقوت وقول القاضي هذا قاله في إكمال المعلم (4/89) و في مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/393) وهو خطأ .
5- قوله صلى الله عليه وسلم : «إن شئت أن أطبق عليهم (الأخشبين)»
قلتُ : (الأخشبين) وهو (موضوع بحثنا) ، قد أُطلق اسم (الأخشبين) في (مكة) على ثلاثة مواضع :
1- الموضع الأول : نبدأ بالذي ورد في هذا الحديث ، قوله : «أطبق عليهم (الأخشبين)» ، هما (أخشبا منى) ، وقد جعل أكثر الشرّاح المراد بـ(الأخشبين) في هذا الحديث (أخشبي مكة) أو (أخشبي البيت) يريدون (جبل أبي قبيس) و (جبل قعيقعان) ، قلت : وهذا خطأ ، فالحادثة وقعت في (منى) عند العقبة في يوم رمي جمرة العقبة ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان في (منى) ، و(ابن عبد ياليل بن عبد كلال) كان في (منى) ، ونزول جبريل وملك الجبال عليهما السلام كان عند (قرن الثعالب) في (منى) فالمقصود بـ(الأخشبين) هنا هما (أخشبا منى) ، وقد وردت أحاديث وآثار وأشعار تذكر هذين (الأخشبين) في (منى) .
ومنها :
1- ما أخرج مالك في الموطأ (950) عن محمد بن عمران الأنصاري ، عن أبيه ، أنه قال : عدل إليّ عبد الله بن عمر وأنا نازل تحت سرحة بطريق مكة . فقال : ما أنزلك تحت هذه السرحة ؟ فقلت : أردت ظلها ، فقال : هل غير ذلك ؟ فقلت : لا ، ما أنزلني إلا ذلك ، فقال عبد الله بن عمر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا كنت بين (الأخشبين) من (منى) ، ونفح بيده نحو المشرق ، فإن هناك واديا يقال له السرر . به شجرة سر تحتها سبعون نبيا».
وهو في صحيح ابن حبان (6335) ، والسنن النسائي (2959) ، والسنن الكبرى للنسائي (3858) ، والسنن الكبرى للبيهقي (9029) ، ومسند أحمد بن حنبل (6061) ، ومسند أبي يعلى الموصلي (5590) ، وأخبار مكة للفاكهي (2260) ، حلية الأولياء (9152) ، مسند الموطأ للجوهري (157) .
والحديث صححه ابن حبان كما مرّ ، والمحقق سليم أسد ، قال أقل أحواله : حسن ، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (6/224) : ضعيف ، وكذلك في ضعيف الجامع (682) ، وفي تعليق شعيب الأرنؤوط على المسند ، قال : إسناده ضعيف .
قلتُ : نقل ابن عبد البر شرحا لهذا الحديث عن أحد الأئمة المتقدمين ، قال في الاستذكار (4/351) : «وقال بن وهب : أراد بقوله (الأخشبين من منى) الجبلين اللذين تحت العقبة بمنى فوق المسجد» .ا.هـ
قال ابن السيد البطليوسي في مشكلات موطأ مالك بن أنس (146) : والأخشبان : جبلان تحت العقبة التي بمنى .
قلتُ : وهذا هو الصحيح ، فالمقصود بـ(الأخشبين) في هذا الحديث هما الجبلان اللذان يحيطان بجمرة العقبة من الشمال والجنوب ، فمن الشمال (أحد أخشبي منى) وهو الوجه الجنوبي من جبل (ثبير) ، واسم هذا الوجه من الجبل : (القابل) ، وجنوب الجمرة (الأخشب الثاني) وهو الذي في أصله مسجد الخيف ، واسمه (الصابح) ، قال عاتق البلادي -رحمه الله- في المعجم (1/75) بعد أن فرّق بين أخشبي (منى) و أخشبي (مكة) قال : «إن أخشبي منى هما (الصابح) و (القابل) وهما جبلا منى» ا.هـ
قلتُ :
1- قال الزمخشري في الجبال و الأمكنة و المياه (22) : «القابل: المسجد الذي عن يسارك في مسجد الخَيف.»
2- وقال الزمخشري أيضا في الجبال و الأمكنة و المياه (16) : «الصابح الجبل الذي في أصله مسجد الخيف» .
3- وقال ياقوت في معجم البلدان (4/290) : «القابل بعد الألف باء موحدة المسجد أو الجبل الذي عن يسارك من مسجد الخيف بمكة عن الأصمعي» .
4- وقال ياقوت أيضا في معجم البلدان (3/387) : «الصابح بعد الألف باء موحدة وحاء مهملة والصبوح شرب الغداة إذا شرب اللبن و الغبوق شرب العشي ، والصابح الساقي ، وهو اسم الجبل الذي في أصله مسجد الخيف عن الأصمعي واسم الذي يقابله عن يسارك القابل » .
جبل (القابل) أحد أخشبي منى :
https://www.google.com/maps/place/21%C2%B025'31.1%22N+39%C2%B052'41.0%22E/@21.425302,39.8802527,773m/data=!3m2!1e3!4b1!4m6!3m5!1s0x0:0x0!7e2!8m2!3d21.4253016!4d39.8780638
وهذه صورة لجبل (القابل)
جبل (الصابح) أحد أخشبي منى :
https://www.google.com/maps/place/21%C2%B024'41.9%22N+39%C2%B052'36.5%22E/@21.411624,39.8789917,773m/data=!3m2!1e3!4b1!4m6!3m5!1s0x0:0x0!7e2!8m2!3d21.4116244!4d39.8768027
وهذه صورة لجبل (الصابح)
وكان أخشب (منى) يوقد عليه نار أيام الحج لشدّ انتباه الناس والإعلان بأمر ما .
2- في مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (5/277) : «كان أبو أزيهر صهر أبي سفيان، وكان يدخل ثمّ في جوار أبي سفيان، فقتله هشام بن الوليد، فعيّر به حسان بن ثابت في قوله:
غدا أهل حضني المجاز بسحرةٍ
وجار ابن حربٍ بالمغمّس لا يغدو
كساك هشام بن الوليد ثيابه
فأبل وأخلق مثلها جدداً بعد
قضى وطراً منه فأصبح ماجداً
وأصبحت رخواً ما تخبّ ولا تعدو
فما منع العير الضّروط ذمارة
وما منعت مخزاة والدها هند
فلو أن أشياخاً ببدر تشاهدوا
لبلّ نعال القوم معتبطٌ ورد
قال: وكانت العرب إذا غدر الرجل أوقدوا له ناراً بمنى أيام الحج على (الأخشب) الجبل المطل على منى، ثم صاحوا: هذه غدرة فلان، ففعلوا ذلك بأبي سفيان في أبي أزيهر».
قلتُ : وفيه قالت صفيّة بنتُ عبد المطّلب تحضُّ أبا سفيان على أخذِ ثأرِ أبي أُزَيْهِر من بني مخزوم ، وتعرِّضُ له بالنار التي أوقِدَتْ له بالغدرِ ،
:
ألا أبْلِغْ بني عمّي رَسولاً
ففيم الكيْدُ فينا والأمارُ
وسائِلْ في جُموعِ بني عليٍّ
إذا كثُرَ التّناشُدُ والفَخارُ
تُريدُ بني عليّ بن بكر بن كِنانة، منها:
ونحنُ الغافرون إذا قَدِرْنا
وفينا عندَ غدْوَتِنا انتصارُ
ولم نَبدأْ لذي رَحِمٍ عُقوقاً
ولمْ تُوقَدْ لنا بالغَدْرِ نارُ
3- وفي أخبار مكة للفاكهي (2504) ساق بسنده : «سمعت ابن سريج ، على (أخشب منى) ليلة النفر وقد رفع عقيرته يتغنى :
جَدِّدِي الْوَصْلَ يَا قَرِيبُ وَجُودِي
لِحَبِيبٍ فِرَاقُهُ قَدْ أَلَمَّا
لَيْسَ بَيْنَ الرَّحِيلِ وَالْبَيْنِ إِلاّ
أَنْ يَرُدُّوا جِمَالَهُمْ فَتُزَمَّا
قال : فما تشاء أن تسمع من خباء أو مضرب حنينا أو بكاء إلا سمعته» .
4- قال الماوردي في الحاوي في فقه الشافعي (4/167) : «وَيُختَارُ عَلَيهِ أَن يَنزِلَ الخَيفَ الأَيمَنَ مِن مِنًى بَينَ الأَخشَبَينِ»
5- وورد ذكره في أشعار كثيرة فمن ذلك :
قول الفرزدق :
إنا وأخوتنا إذا ما ضمنا
بـ(الأخشبينِ) منازلُ (التجميرِ)
عرفَ القبائلُ أننا أربابها
وأحقها بمناسكِ التكبيرِ
وكما قال أيضاً الفرزدق :
أرَادَ بهِ الباغونَ كَيْداً، فكادَهُمْ
بهِ رَبُّ بَرّاتِ النّفُوسِ خَبِيرُها
ولَوْ كايَدَ العَهْدَ الّذي في رِقَابِهِمْ
لَهُ ، (أخْشَبا) جَنْبَيْ (مِنىً) وَثَبِيرُها
لِيَنْقُضْنَ تَوْكيدَ العُهُودِ التي لَهُ
لأمسَتْ ذُرَاها وَهيَ دُكٌّ وَعُورُها
قال ياقوت في معجم البلدان (1/122) : «الأخشبان تثنية الأخشب وقد تقدم اشتقاقه في الأخاشب والأخشبان جبلان يضافان تارة إلى مكة وتارة إلى منى (وهما واحد) أحدهما أبو قبيس والآخر قعيقعان ، ويقال بل هما أبو قبيس والجبل الأحمر المشرف هنالك ويسميان الجبجبين أيضا
وقال ابن وهب : الأخشبان الجبلان اللذان تحت العقبة بمنى ، وقال السيد عُلَي العلوي : الأخشب الشرقي أبو قبيس والأخشب الغربي هو المعروف بجبل الخط والخط من وادي إبراهيم .
وقال الأصمعي : الأخشبان أبو قبيس وهو الجبل المشرف على الصفا وهو ما بين حرف أجياد الصغير المشرف على الصفا إلى السويداء التي تلي الخندمة ، وكان يسمى في الجاهلية الأمين لأن الركن كان مستودعا فيه عام الطوفان فلما بنى إسماعيل عليه السلام البيت نودي إن الركن في مكان كذا وكذا ، والأخشب الآخر الجبل الذي يقال له الأحمر كان يسمى في الجاهلية الأعرف وهو الجبل المشرف وجهه على قيقعان .
قال مزاحم العقيلي :
خليلي هل من حيلة تعلمانها
يقرب من ليلى إلينا احتيالها
فإن بأعلى (الأخشبين) أراكة
عدتني عنها الحرب دان ظلالها
وفي فرعها لو يستطاف جنابها
جنى يجتنيه المجتني لو ينالها
ممنعة في بعض أفنانها العلا
يروح إلينا كل وقت خيالها
والذي يظهر من هذا الشعر أن الأخشبين فيه غير التي بمكة إنه يدل على أنها من منازل العرب التي يحلونها بأهاليهم وليس الأخشبان كذلك ويدل أيضا على أنه موضع واحد لأن الأراكة لا تكون في موضعين ، وقد تقدم أن الأخشبين جبلان كل واحد منهما غير الآخر ، وأما الشعر الذي قيل فيهما (بلا شك) فقول الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه :
أحبك ما أقام منى وجمع
وما أرسى بمكة أخشباها
وما نحروا بخيف منى وكبوا
على الأذقان مشعرة ذراها
نظرتك نظرة بالخيف كانت
جلاء العين أو كانت قذاها
ولم يك غير موقفنا وطارت
بكل قبيلة منا نواها
وقد تفرد هذه التثنية فيقال لكل واحد منهما الأخشب قال ساعدة بن جوية :
أني وأيديها وكل هدية
مما تثج لها ترائب تثعب
ومقامهن إذا حبسن (بمأزم)
ضيق ألف وصدهن الأخشب
يقسم بالحجاج والبدن التي تنحر بالمأزمين وتجمع على الأخاشب قال فبلدح أمسى موحشا فالأخاشب » .ا.هـ
قلتُ : في كلام ياقوت رحمه الله عدة أخطاء ، سأردّ على بعضها ، منها .
أولاً : قوله : «الأخشبان جبلان يضافان تارة إلى مكة وتارة إلى منى (وهما واحد) أحدهما أبو قبيس والآخر قعيقعان» ، قلت : الصحيح التفريق بين أخشبي منى وأخشبي مكة كما مرّ معنا .
ثانياً : أنه جمع الأقوال والأشعار على أنها تتكلم عن مكان واحد ، والصحيح أنها تتكلم عن مكانين مختلفين .
ثالثاً : قوله : «وأما الشعر الذي قيل فيهما (بلا شك)»
قلت : وهذا غير صحيح فالاحتمال الأقوى أنها قيلت في (أخشبي منى) فقد قرنها بخيف منى والمنحر .
رابعاً : بيت ساعدة سأتكلم عليه عند كلامي على المأزمين .
قال البكري في معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع (1/123) : «الأخشب بشين معجمة وباء معجمة بواحدة على وزن أفعل
وهي أربعة أخاشب فـ(أخشبا مكة) جبلاها و(أخشبا المدينة) حرتاها المكتنفتان لها وهما لابتاها اللتان ورد فيهما الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم إني أحرّم ما بين لابتى المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها ، وفي الحديث قال جبريل يا محمد إن شئت جمعت الأخشبين عليهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : دعني أنذر أمتي ، ومن حديث مالك عن محمد بن عمران الأنصاري عن أبيه أنه قال عدل إلي عبد الله بن عمر وأنا نازل تحت سرحة بطريق مكة فقال ما أنزلك تحت هذه السرحة فقلت أردت ظلها ، فقال هل غير ذلك فقلت ما أنزلني غير ذلك ، فقال عبدالله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كنت بين الأخشبين من منى ونفح بيده نحو المشرق فإن هناك واديا يقال له السرر به سرحة سر تحتها سبعون نبيا .
ويقال أخشب وخشباء على التأنيث قال كعب بن مالك :
فاسأل الناس لا أبالك عنا
يوم سالت بالمعلمين كداء
وتداعت خشباؤها إذ رأتنا
واستخفت من خوفنا الخشباء
ورأى ما لقين منا حراء
فدعا ربه بأمن حراء
وأخاشب الصمان جبال اجتمعن بالصمان في محلة بني تميم ليس قربها أكمة ولا جبل ، وقال الزبير الأخشبان والجبجبان جبلا مكة ويقال ما بين جبجبيها أكرم من فلان» .ا.هـ
قلتُ : لم يفرّق البكري بين (أخشبي منى) و(أخشبي مكة) والأدلة من الأحاديث التي ذكرها هي لـ(أخشبي منى) وليست لـ(أخشبي مكة) ، وقصيدة كعب بن مالك لعلها لأخشبي مكة.
2- الموضع الثاني : (أخشبا مكة) أو أخشبا البيت ، وهما أشهر وأعرف في الجاهلية والإسلام ، وإذا أطلق اسم (الأخشبين) فالمراد به غالباً هذا الموقع ، وقد وردت فيه أحاديث وآثار وأشعار ، فمنها :
1- ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (16916) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَذِهِ حَرَمٌ يَعْنِي: مَكَّةَ، حَرَّمَهَا اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ، وَوَضَعَ هَذَيْنِ (الأَخْشَبَيْنِ) لَمْ تُحِّلُّ لأَحَدٍ قَبْلِي ، وَلا تُحِّلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَلَمْ تُحِّلُّ لِي إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لا يُعْضَدُ شَوْكُهَا، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلا يُخْتَلَى خَلاهَا، وَلا يُرْفَعُ لُقَطَتُهَا إلا لِمُنْشِدٍ ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لا صَبْرَ لَهُمْ عَنِ الإذْخِرِ لِقَيْنِهِمْ وَبُنْيَانِهِمْ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إلا الإذْخِرَ .
وفي رواية الطحاوي : «ووضعها بين هذين الأخشبين» .
ثم قال أبو جعفر الطحاوي في المشكل : ففي هذا الحديث : أن تحريم مكة كان بتحريم الله إياها يوم خلق السموات والأرض والشمس والقمر ، ووضعه إياها بين (الأخشبين) اللذين وضعها بينهما .
والحديث في مصنف ابن أبي شيبة أيضا (36225) ، وشرح معاني الآثار للطحاوي (2676) و(3543) ، ومشكل الآثار للطحاوي (4212) و(2671) ، وأحكام القرآن للطحاوي (1246) ، وجامع البيان للطبري (1852) ، وأخبار مكة للأزرقي (726) ، أخبار مكة للفاكهي (2367) ، والحديث أصله في الصحيحين .
2- ما أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في المصنف (8950) عن مجاهد قال : وُجد في حجر بمكة أنا الله ذو بكة ، صنعتها يوم صنعت الشمس والقمر ، ولا تزول حتى يزول الأخشبان ، باركت لأهلها في السمن والسمين ، يأتيها رزقها من ثلاثة سبل ، وحففتها بسبعة أملاك حنفاء ، أول من يحلها لأهله .
وفي رواية الأزرقي : «لا تزول حتى تزول أخشباها» .
وهو في مصنف ابن أبي شيبة (17153) ، أخبار مكة للأزرقي (110) .
3- ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (31694) : عن مجاهد ، قال : أول من أظهر الإسلام سبعة ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر وبلال وخباب وصهيب وعمار وسمية أم عمار قال : فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه عمه ، وأما أبو بكر فمنعه قومه ، وأخذ الآخرون فألبسوهم أدراع الحديد ، ثم صهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ ، فأعطوهم كل ما سألوا ، فجاء إلى كل رجل منهم قومه بأنطاع الأدم فيها الماء فألقوهم فيه ثم حملوا بجوانبه إلا بلال ، فجعلوا في عنقه حبلا ، ثم أمروا صبيانهم يشتدون به بين (أخشبي مكة) وجعل يقول : أحد أحد .
وهو في مصنف ابن أبي شيبة (33206) .
4- ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (35887) : عن عامر ، قال : قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنت نبيا كما تزعم فباعد جبلي مكة (أخشبيها) هذين مسيرة أربعة أيام أو خمسة , فإنها ضيقة حتى نزرع فيها ونرعى , وابعث لنا آباءنا من الموتى حتى يكلمونا ويخبرونا أنك نبي , واحملنا إلى الشام أو إلى اليمن أو إلى الحيرة حتى نذهب ونجيء في ليلة كما زعمت أنك فعلته , فأنزل الله : ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى .
5- في أخبار مكة للأزرقي (208) عن ابن جريج قال عن محاصرة ابن الزبير رضي الله عنه : «وكان الحصين بن نمير قد نصب المنجنيق على أبي قبيس وعلى الأحمر ، وهم (أخشبا مكة)».
6- قال الأزرقي في أخبار مكة (998 ) : ذكر (أخشبي مكة) ، قال أبو الوليد : (أخشبا مكة) أبو قبيس ، وهو الجبل المشرف على الصفا إلى السويدا إلى الخندمة ، وكان يسمى في الجاهلية الأمين ، ويقال : إنما سمي الأمين ؛ لأن الركن الأسود كان فيها مستودعا عام الطوفان .
ثم قال الأزرقي : والأخشب الآخر الجبل الذي يقال له الأحمر ، وكان يسمى في الجاهلية الأعرف وهو الجبل المشرف وجهه على قعيقعان ، وعلى دور عبد الله بن الزبير ، وفيه موضع يقال له الجر والميزاب ، إنما سمي الجر والميزاب ؛ أن فيه موضعين يمسكان الماء إذا جاء المطر ، يصب أحدهما في الآخر ، فسمي الأعلى منهما الذي يفرع في الأسفل الجر ، والأسفل منهما الميزاب ، وفي ظهره موضع يقال له قرن أبي ريش ، وعلى رأسه صخرات مشرفات يقال لهن الكُبُش ، عندها موضع فوق الجبل الأحمر يقال له (قرارة) المدحي ، كان أهل مكة يتداحون هنالك بالمداحي والمراصع .
قلتُ : أدركتُ في هذا الجبل (قعيقعان) موقعاً اسمه (القرارة) لعله هو هذا الذي ذكره الأزرقي هنا ، وقد دخل في توسعة الملك عبد الله في توسعة الحرم .
7- في أخبار مكة للفاكهي - ذِكرُ أخشبي مكة وما جاء فيهما (2292) قال الفاكهي : وأبو قبيس أحد (أخشبي مكة) ، وهو الجبل المشرف على الصفا ، وهو ما بين حرف أجياد الصغير إلى السويداء التي تلي الخندمة ، وكان يسمى في الجاهلية : الأمين ، ويقال : إنما سمي الأمين أن الركن كان مستودعا فيه عام الطوفان ، فلما بنى إبراهيم صلى الله على محمد وعليه وسلم البيت ناداه أبو قبيس : إن الركن في موضع كذا وكذا . ويقال : اقتبس الركن من أبي قبيس ، فسمي أبا قبيس . ويقال : كان رجل من مذحج ، ويقال : من إياد ، نهض فيه بالبناء أول الناس ، وكان الرجل يدعى قبيسا ، فسمي أبا قبيس و(الأخشب) الآخر الذي يقال له الأحمر وكان يسمى في الجاهلية : الأعرف ، وهو الجبل المشرف وجهه على قعيقعان ، على دور عبد الله بن الزبير رضي الله عنه . وفيه موضع يقال : الجر والميزاب . وإنما سمي الجر والميزاب أن هنالك موضعين يشرف أحدهما على الآخر والأعلى يصب في الأسفل ، فاسم الأعلى الميزاب ، واسم الأسفل الجر . وهذا كله حدثنا به الزبير . وفي ظهره الآخر موضع يقال له : قرن أبي ريش ، وعلى رأسه صخرات مشرفات فوق الجبل الأحمر يقال لها : الكبش عليها منارة يؤذن عليها . وفي ظهره موضع يقال له : قرارة المدحى كان أهل مكة فيما يزعمون يتداحون هنالك بالمداحي والمراصيع .
8- الأشعار كثيرة :
قال صيفي بن عامر ، وهو أبو قيس بن الأسلت الخزرجي - وهو جاهلي - يعني قريشا :
قوموا فصلوا ربكم وتعوذوا
بأركان هذا البيت بين (الأخاشب)
فعندكم منه بلاء ومصدق
غداة أبي يكسوم هادي الكتائب
وقال الحصين بن الحمام -وهو جاهلي- يرد على الحارث بن ظالم ، وينفي نسبه لقريش
ألا لستم منا ولسنا إليكم
برئنا إليكم من لؤي بن غالب
أقمنا على عز الحجاز وأنتم
بمعتلج البطحاء بين (الأخاشب)
ثم ندم الحصين على ما قال وعرف صدق الحارث فأكذب نفسه وقال
أبونا كناني بمكة قبره
بمعتلج البطحاء بين الأخاشب
لنا الربع من بيت الحرام وراثة
وربع البطاح عند دار ابن حاطب
وقال العَبَّاس بن مرداس السلمي رضي الله عنه :
نَذُودُ أخانا عن أخينا ولو نرى
مَهَزًّا لكُنَّا الأَقْرَبين نُتَابِعُ
نُبَايع بين (الأَخْشَبْين) وإنَّما
يَدُ الله بَيْنَ (الأَخْشَبَيْن) نُبَايعُ
عَشِّيَة ضَحَّاك بن سُفْيان مُعْتَص
بسيفِ رسول الله والموتُ واقِعُ
ويقول عباس بن مرداس حين أحرق ضمارا ولحق بالنبي :
وَوجَّهتُ وجهي نحو مكَّة قاصداً
وتابعت بين (الأخشبين) المباركا
نبيٌّ أتانا بعدَ عيسى بناطق
من الحقّ فيه الفضل منه كذلكا
وَقَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ يفخر بخندفيته :
وَإِنَّ لَنَا بِمَكَّةَ أَبْطَحَيْهَا
وَمَا بَيْنَ الأخَاشِبِ وَالْحَجُونَا
ومما ينسب لعبد المطلب :
هذا الذي يقتاد كالجنائب
من حل بالأبطح والأخاشب
وقالت صفية بنت عبد المطلب :
وتبكي الأباطح من فقده
وتبكيه مكة والأخشب
ومكان أخشبي مكة معروف معلوم ، فهما محيطان بالكعبة المشرفة فجبل (أبي قبيس) من الناحية الشرقية والشرقية الجنوبية ، مقابل للحجر الأسود ، وله ذكر كثير :
1- في صحيح ابن خزيمة (2556) عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي الركن اليماني يوم القيامة أعظم من (أبي قبيس) له لسان وشفتان » .
والحديث في المستدرك على الصحيحين للحاكم (1620) ، مسند أحمد بن حنبل (6818) ، المعجم الأوسط للطبراني (569) ، الأسماء والصفات للبيهقي (712) ، الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لابن شاهين (337)
قال الألباني في في صحيح الترغيب والترهيب (1145) : «رواه أحمد بإسناد حسن» ، قلت : دون زيادة : « عن من استلمه بالنية ، وهو يمين الله التي يصافح بها خلقه» فقد ضعّفها الألباني رحمه الله .
2- في المستدرك على الصحيحين للحاكم (3692) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : رأيت القمر منشقا بشقتين مرتين بمكة قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ، شقة على (أبي قبيس) ، وشقة على السويداء .
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة .
قلت : حديث ابن مسعود في انشقاق القمر في الصحيحين بلفظ آخر .
وبهذا اللفظ أخرجه عبد الرزاق في التفسير (2964) ، وهو في أخبار مكة للفاكهي (2290) ، و دلائل النبوة للبيهقي (557) ،
3 - وفي شعب الإيمان للبيهقي (3812) : عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول بقعة وضعت في الأرض موضع البيت ثم مدت منها الأرض ، وإن أول جبل وضعه الله عز وجل على وجه الأرض أبو قبيس ثم مدت منه الجبال .
وهو في المستدرك على الصحيحين للحاكم (3825) ، مصنف عبد الرزاق الصنعاني (8822) ، الضعفاء الكبير للعقيلي (1073) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة (12/801) : ضعيف ، رواه الديلمي في مسند الفردوس ( 1 / 1 / 11 ) ، وابن عساكر ( 10 / 31 / 1 ) .
4 - وفي مسند أحمد بن حنبل (26383) : عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت : لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي طوى ، قال أبو قحافة لابنة له من أصغر ولده : أي بنية ، اظهري بي على (أبي قبيس) . قالت : وقد كف بصره . قالت : فأشرفت به عليه ، فقال : يا بنية ، ماذا ترين ؟ ...الحديث .
والحديث في صحيح ابن حبان (7315) ، المستدرك على الصحيحين للحاكم (4309) ، مشكل الآثار للطحاوي (3112) ، السنن الكبرى للبيهقي (17007) ، مسند إسحاق بن راهويه (2011) ، المعجم الكبير للطبراني (20109) ، دلائل النبوة للبيهقي (1843) ، معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (4386) ، وغيرهم .
5 - في مصنف عبد الرزاق الصنعاني (8625) عن مجاهد قال : يأتي المقام والحجر يوم القيامة مثل أبي قبيس كل واحد منهما له عينان ، وشفتان ، يناديان بأعلى أصواتهما يشهدان لمن وافاهما بالوفاء .
وهو في مصنف عبد الرزاق الصنعاني (8618) ، أخبار مكة للأزرقي (400) .
6 - في مصنف عبد الرزاق الصنعاني (8832) : قال ابن المسيب : قال على بن أبي طالب : وكان الله استودع الركن أبا قبيس فلما أتى إبراهيم ناداه أبو قبيس : يا إبراهيم ، هذا الركن في فخذه ، فاحتفر عنه فوضعه .
في رواية أبي الشيخ : لما أهبط الله عز وجل آدم من الجنة حمله على أبي قبيس فرفعت له الأرض جميعا حتى رآها .
وأخرجه : الطبري في جامع البيان في تفسير القرآن (1880) و (3446) ، العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (1010) .
7 - في شرح أصول الاعتقاد (1186) : عن ابن عباس : أن القمر انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . لفظهما سواء زاد يحيى قال : إني بلغني كانت فلقة على البيت ، وفلقة على أبي قبيس .
قلت : حديث ابن عباس في انشقاق القمر في الصحيحين بغير هذا اللفظ .
والحديث أخرجه : أبو نعيم الأصبهاني في دلائل النبوة (206) .
8 - أخرج : الطبري في جامع البيان في تفسير القرآن (1857) : قال عمرو بن دينار : بعث الله رياحا فصفقت الماء ، فأبرزت في موضع البيت عن حشفة كأنها القبة ، فهذا البيت منها فلذلك هي أم القرى . قال ابن جريج : قال عطاء : ثم وتدها بالجبال كي لا تكفأ بميد ، فكان أول جبل أبو قبيس .
أخرجه : ابن أبي حاتم في التفسير (7646) .
9 - تفسير ابن أبي حاتم (12949) عن عطاء ، قال : أول جبل وضع على الأرض أبو قبيس .
أخرجه ابن أبي حاتم أيضاً في التفسير (15447) ، الضعفاء الكبير للعقيلي (1074) .
وتركت كثيرا من الأحاديث والآثار والأخبار التي ذكرت (أبا قبيس) .
ملاحظة : قال بعض أهل العلم إن أبا قبيس اسمٌ للجبل ليس بكنية، فلا يتغيير إعرابه بتغير العوامل الداخلة عليه ، قلتُ وهذا مردود بالنصوص الكثيرة التي أثبتت تغيّر إعرابه بتغيّر العوامل الداخلة عليه ، ولعل هذا القول لبعض الأحناف الذين يدافعون عن أبي حنيفة رحمه الله ، عندما سأله رجلٌ يوماً فقال : ما تقول في رجلٍ تناول صخرةً فضرب بها رأس رجلٍ فقتله أتقيده به ؟ فقال : لا ، ولو ضربه بأبا قبيس .
فاحتج قومٌ لأبي حنيفة وزعموا أنه لم يلحن، وقالوا : اسم الجبل هكذا وليس بكنية ، ومنهم من قال : بأنه قال ذلك على لغة من يعرب الأسماء الستة بالألف في الأحوال الثلاثة وأنشدوا على ذلك :
إن أباها وأبا أباها
قد بلغا في المجد غايتاها
وقال هي لغة الكوفيين، وأبو حنيفة من أهل الكوفة ، إلى غير ذلك من التبريرات .
الأخشب الثاني وهو جبل (قعيقعان) من الناحية المقابلة لجبل (أبي قبيس) في الجهة الشمالية والشمالية الغربية مقابل للميزاب ، وهو لا يعرف بهذا الاسم ، ويطلق عليه عدة أسماء والجزء الأكبر منه يسمّى (جبل هندي) ، أدركته قبل التوسعة وإزالته .
ولجبل (قعيقعان) ذكرٌ كثير في كتب السنة والسيرة والأخبار ، فعلى سبيل الاختصار مثلا :
1-في صحيح البخاري - كتاب المغازي (4022) : عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال المشركون : إنه يقدم عليكم وفد وهنهم حمى يثرب ، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة ، وأن يمشوا ما بين الركنين ، ولم يمنعه أن يأمرهم ، أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم قال أبو عبد الله : وزاد ابن سلمة ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم لعامه الذي استأمن ، قال : «ارملوا» ليرى المشركون قوتهم ، والمشركون من قبل (قعيقعان) .
والحديث في صحيح ابن حبان (3874) و (3904) ، سنن أبي داود (1622) ، شرح معاني الآثار للطحاوي (2445) ، السنن الكبرى للبيهقي (8707) ، مسند أحمد بن حنبل (1974) (2022) (2628) (3429) ، مسند الطيالسي (2810) ، المعجم الكبير للطبراني (10436) ،
2-وفي مسند أحمد بن حنبل (5800) : عن ابن عمر قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم والشمس على (قعيقعان) بعد العصر ، فقال : «ما أعماركم في أعمار من مضى ، إلا كما بقي من النهار فيما مضى منه» .
والحديث في المعجم الكبير للطبراني (13294) ، أخبار مكة للفاكهي (2428) ، وله طريق آخر من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب في المستدرك على الصحيحين للحاكم (3590) وغيره .
3-وفي مصنف عبد الرزاق الصنعاني (8959) عن ابن جريج قال : بلغنا أن تُبّعا أنزل سلاحه في شعب عبد الله بن الزبير فسمي بقعيقعان .
قلتُ : كذا قال ابن جريج ووافقه بعض أهل العلم ، وهو خلاف قول الكلبي وعليه الأكثر ، قال البلاذري في فتوح البلدان (66) : قال هشام بن محمد الكلبى: كان عمرو بن مضاض الجرهمى حارب رجلا من جرهم يقال له السميدع ، فخرج عمرو في السلاح يتقعقع ، فسمى الموضع الذى خرج منه (قعيقعان) ، وخرج السميدع مقلدا خيله الاجراس في أجيادها ، فسمى الموضع الذى خرج منه (أجياد) ، وقال ابن الكلبى: ويقال إنه خرج بالجياد مسومة فسمى الموضع أجياد ، وعامة أهل مكة يقولون جياد الصغير وجياد الكبير .ا.هـ
4 - وفي الأشعار :
وقالَ عُمَرُ بن أبي رَبِيعةَ :
.
هَيْهَاتَ مِنْكَ (قُعَيْقِعانُ) وأهْلُها
بالحَزْنَتَيْنِ ، فشَطَّ ذاكَ مَزارا
قال الفضل بن العباس اللهبي :
.
هَيهَات مِنك (قُعيقعانُ) فَبلدَحٌ
فجَنوبُ أَثْبِرَةٍ فَبَطنُ عِسَابِ
5- أقوال أهل العلم عن مكان (قُعَيقِعان) الذي بمكة المكرمة فقط :
قال الزمخشري الجبال و الأمكنة و المياه (7) : الاحمر: جبل وجهه مشرف على قُعَيقِعان كان يسمى في الجاهلية الأعرف.
وقال أيضاً (9) : الأخشبان: ابو قبيس و الأحمر و هو جبل مشرف وجهه قعيقعان.
وقال أيضاً (18) : الأعرف: هو الجبل الذي و جهه مشرف على قُعَيقِعان.
قال أبو بكر (المشهور بالبكري) بن محمد شطا الدمياطي في المسالك و الممالك (1/331) : الصفا من أصل جبل أبي قبيس و المروة في أصل قعيقعان.
قال ابن فضل الله العمري في مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (1/15) :
1- وأبو قبيس أحد الأخْشبين. وهو أقرب الجبال إلى المسجد الحرام. وهو بإزاء الركن الأسود من الكعبة.
2-وجبل قُعَيْقِعَان. وهو يقابل أبا قُبَيْس من ناحية الشمال. وهو جبل أخضر يقابل من الكعبة ما بين الركن العراقيّ والميزاب. وهو أحد أخشبَيْ مكة.
ملاحظة : وقع في جامع البيان في تفسير القرآن للطبري (29111) عن المسور بن مخرمة ، قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مئة من أصحابه ، حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره ، وأحرم بالعمرة ، وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش ، وسار النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كان بغدير الأشطاط قريبا من (قعيقعان) ، أتاه عينه الخزاعي .
قلتُ : هذا تصحيف من (عسفان ) فحديث المِسوَر بن مخرمة حديث مشهور في الصحاح والمسانيد ، وقد أخرج حديثه البخاري ، ولفظه في بقية المصادر : «حتى إذا كان بغدير الأشطاط ، قريبا من (عسفان)» .
قلتُ : وقد دخل اليوم الأخشبان (أخشبا مكة) في توسعة الحرم المكي الشريف ، وهذا مكان تقريبي لمكان جبل (أبي قبيس) .
https://www.google.com/maps/place/21%C2%B025'21.7%22N+39%C2%B049'48.2%22E/@21.422681,39.8322417,773m/data=!3m2!1e3!4b1!4m9!1m2!2m1!1z2KjYp9ix2KfYqg!3m5!1s0x0:0x0!7e2!8m2!3d21.422681!4d39.8300531
وهذه صورة لجبل أبي قبيس
وهذا مكان تقريبي لجبل قعيقعان
https://www.google.com/maps/place/21%C2%B025'34.3%22N+39%C2%B049'22.4%22E/@21.42619,39.8250667,773m/data=!3m2!1e3!4b1!4m9!1m2!2m1!1z2KjYp9ix2KfYqg!3m5!1s0x0:0x0!7e2!8m2!3d21.42619!4d39.822878
وهذه صورة لجبل قعيقعان ، مقابل الميزاب .
الموضع الثالث : قال عاتق البلادي رحمه الله (1/74) : «المعروف اليوم أن الأخشبين هم الجبلان اللذان يمرّ الطريق بينهما ليلة الإفاضة من عرفة وهما حدّ مزدلفة من الشرق ، يسمّى الشمالي (الأخشب الكبير) والجنوبي (الأخشب الصغير) ويسمّى طريقهما طريق المأزمين وطريق الأخشبين وهي (ثنيّة ضيقة) ، وقد وسّعت نوعاً ما ، وجعلت فيها ثلاثة طرق للسيارات وطريق للمشاة» .ا.هـ
قلتُ : أولاً : هذا هو المعروف اليوم عند العامة باسم (الأخشبين) ، أو كما يقول الشيخ عاتق (1/75) : «الأخشبان المعروفان الآن عند أهل البادية» ، ثانياً : قوله : «وهي (ثنيّة ضيقة)» ، الصحيح أنه طريق في مضيق بين جبلين ، وبين الثنية والمأزمين فرق لغوي وجغرافي ، ثالثاً : الصحيح أن هذين (الأخشبين) هما المأزمان المعروفان بـ(مأزمي عرفة) .
قال البكري في معجم ما استعجم (4/1173) : « مأزما منى بفتح أوله وإسكان ثانيه وكسر الزاي المعجمة معروفان بين عرفة والمزدلفة وكل طريق بين جبلين فهو مأزم ، وقيل المأزم المضيق في الجبل تلتقي الجبال ويتسع وما وراءها وقدامها وهو من الأزم قال كُثيّر :
فَقَدْ حَلَفَتْ جَهْداً بما نحرَتْ له
قريشٌ غداةَ (المأزمينِ) وصلّتِ
وروى معمر عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال إذا كنت بين (المأزمين) من منى فإن هناك سرحة مر تحتها سبعون نبيا» .ا.هـ
قلتُ : خلط البكري رحمه الله تعالى بين (مأزمي منى) و (مأزمي عرفة) ، وهما مختلفان اسما ومكانا ، فـ(مأزما منى) في أقصى (منى) من جهة مكة ، بل كان ابن عباس يرى أنها حدُّ لـ(منى) من جهة مكة كما سيأتي ، و (مأزما عرفة) في أقصى (مزدلفة) بل هما حدّ (مزدلفة) من جهة عرفة ، كما سيأتي ، وأبيات كُثيّر الخزاعي هي شاهد على (مأزمي منى) فهي المنحر ، وكذا الأثر الذي ذكره عن ابن عمر .
قال ياقوت في المعجم (5/40) : « المأزمان تثنية المأزم من الأزم وهو العض ، ومنه الأزمة وهو الجدب كأن السنة عضتهم ، والأزم الضيق ومنه سمي هذا الموضع ، وهو موضع بمكة بين المشعر الحرام وعرفة ، وهو شعب بين جبلين يفضي آخره إلى بطن عرنة ، وهو إلى ما أقبل على الصخرات التي يكون بها موقف الإمام إلى طريق يفضي إلى حصن وحائط بني عامر عند عرفة وبه المسجد الذي يجمع فيه الإمام بين الصلاتين الظهر والعصر وهو حائط نخيل وبه عين تنسب إلى عبد الله بن عامر بن كريز ، وليس عرفات من الحرم (وإنما حد الحرم من المأزمين) فإذا جزتهما إلى العلمين المضروبين فما وراء العلمين من الحل ، أخذ من المأزم وهو الطريق الضيق بين الجبال وقال الأصمعي : المأزم في السنة مضيق بين جمع وعرفة ، وقال ساعدة ابن جؤية :
ومقامهن إذا حبسن بمأزم
ضيق ألف وصدهن الأخشب
وقال عياض المأزمان مهموز مثنى وقال ابن شعبان هما جبلا مكة وليسا من المزدلفة وقال أهل اللغة هما مضيقا جبلين والمأزمان المضايق الواحد مأزم وقال بعض الأعراب :
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
وأهلي معا بالمأزمين حلول
وهل أبصرن العيس تنفخ في البرى
لها (بمنى) بالمحرمين ذميل
منازل كنا أهلها فأزالنا
زمان بنا بالصالحين حدول
والمأزمين أيضا قرية بينها وبين عسقلان نحو فرسخ كانت بها وقعة بين الكنانية أهل عسقلان والأفرنج مشهورة» .ا.هـ
قلتُ : قول ياقوت : «وإنما حد الحرم من المأزمين» خطأ منه رحمه الله ، أولاً : طول الطريق في المضيق بين (المأزمين) أكثر من 1800متر وهي كلها في الحرم ، ثانياً : أنك إذا خرجت من المأزمين وأنت ذاهب لعرفة يكون بينك وبين حدود الحرم 2000 متر تقريباً ، ثالثاً : أن الشواهد الشعرية هي لمأزمي منى ، فقول ساعدَة بن جؤية :
أني وأيديها وكل هديةٍ
مما تثج لها ترائبُ تثعبُ
ومقامهنَّ إذا حُبِسْنَ بمَأزِمٍ
ضَيْقٍ ألَفَّ وَصَدَّهُنَّ الأخْشَبُ
فهو يقسم بالمطي وبالبدن التي تنحر عند المأزمين والأخشب ، ويقصد مأزمي منى فهي المنحر وأخشبها ، كما قال ابن يسار النِسائي :
ولعَمْرُ مَنْ حُبِس المَطِىُّ لَهُ
بالأخْشَبَيْنِ صَبيحَة النَّحْرِ
أمّا قول عاتق في معجم الحجاز (1/76) عن تسمية مأزم عرفة بالأخشب : «ويظهر أن هذه التسمية قديمة ، وانظر شعر ساعدة المتقدم ، كيف جمع المأزم والأخشب» ا.هـ
قلتُ : وهذا خطأ منه رحمه الله ، أولاً : لم يتنبه عاتق لـ(مأزمي منى) بل ولم يترجم لها في كتابه ، وإن كان ذكرها في معالم مكة ، فقد قال (242ص) : وقد يطلق المأزمين على منى عند العقبة لضيق المكان وهذا ما عناه كثيّر ا.هـ، ثانياً : أن (مأزمي عرفة) لم يسميا قديما بالأخشبين ، إنما هذه تسمية حادثة متأخرة ، ثالثاً : أن (مأزمي منى) هما جزء من أخشبيها ، فهما ما ضاق من طرفي الأخشبين على شعب (منى) بعد جمرة العقبة ، رابعاً : أن (مأزمي منى) حدٌّ من حدود منى ، وهي في غاية الشهرة ، في الأحاديث والآثار والأشعار ، ومن ذلك :
1- أخبار مكة للفاكهي (2627) : «عن طاوس ، عن عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما أنه قال : لا يبيتن أحد من دون (المأزمين) ، وهما جبلان من دون العقبة إلى مكة , يقول : أيام منى» .
2- جامع معمر بن راشد (1582) أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن زيد بن أسلم ، قال : «كان رجل من الأنصار مستظلا تحت سرحة ، فمر عمر رضي الله عنه فسلم عليه ، وقال : «أتدري لما يستحب ظل السرح» ؟ قال : نعم ، قال : «لم» ؟ ، قال : لأنه بارد ظلها ، ولا شوك فيها ، قال : «ولغير ذلك ، أرأيت إذا كنت بين المأزمين دون منى ، فإن من هنالك إلى مطلع الشمس مكان السرر - أو قال : مسجد السرر - سرّ فيه سبعون نبيا ، فاستظل نبي منهم تحت سرحة ، دعا فاستجاب له ، ودعا لها فكفي كما رأيت ، لا يعتل كما يعتل الشجر» ، قال معمر : سروا : قطعت سررهم ، لا تعتل : يعني حفرا أبدا» . قلت : وهو حديث ابن عمر السابق .
3- أخبار مكة للفاكهي (2628 ) : «عن علي الأزدي قال : رأيت ابن عمر رضي الله عنهما وهو بين (مأزمي منى) ، وسمع الناس يقولون : لا إله إلا الله ، فقال : هي هي , فقال : يا أبا عبد الرحمن ما هي هي ؟ قال : وكانوا أحق بها وأهلها . قال الحميدي في حديثه : ما بين (مأزمي منى) ، وقال بعض الشعراء في المأزمين يذكرهما :
ألم يكن بجنوب (المأزمين) إلى
خيفي (منى) فمناخ المنحر الجسد
ليل يقرب من نفس شقيقتها
ويلصق الكبد الحرى إلى الكبد» .ا.هـ
وأخرجه جامع البيان في تفسير القرآن للطبري (29137) .
4- أخبار مكة للفاكهي (2622) : ذكر ذرع أسفل منى وما بين مأزمي منى والعقبة ومن حد مسجد منى الذي يلي عرفات إلى وسط حياض الياقوتة ثلاثة آلاف وسبعمائة ذراع وثلاثة وخمسون ذراعا ، ومن وسط حياض الياقوتة إلى حد محسر ألفا ذراع ، ومن حد مأزمي منى من الجبل إلى الجبل خمسون ذراعا
5- أخبار مكة للفاكهي (2629) : ثنا أبو الأزهر قال : رأيت ابن عمر رضي الله عنهما يلبي بمكة حتى إن كاد ليسمع ما بين الجبلين يعني المأزمين من منى إن شاء الله ، وذرع طريق العقبة من العلم الذي على الجدار إلى العلم الآخر الذي يحده تسعة وستون ذراعا ، والطريق مفروشة بحجارة يمر عليها سيل منى . وذرع الطريق الأعظم طريق العقبة الخارجة ستة وثلاثون ذراعا .
6- أخبار مكة للأزرقي (1001) واسط : قرن كان أسفل من جمرة العقبة بين المأزمين مأزمي منى ، فضرب حتى ذهب وقال بعض المكيين : واسط الجبلان دون العقبة وقال بعضهم : تلك الناحية من بئر القسري إلى العقبة يسمى واسطا
7- أخبار مكة للأزرقي (1022) : عدد الأميال من المسجد الحرام إلى موقف الإمام بعرفة ، وذكر مواضعها قال أبو الوليد : من باب المسجد الحرام - وهو الباب الكبير ، باب بني عبد شمس ، الذي يعرف اليوم ببني شيبة - إلى أول الأميال ، وموضعه على جبل الصفا ، والميل الثاني في حد جبل العيرة ، والميل حجر طوله ثلاثة أذرع ، وهو من الأميال المروانية , وموضع الميل الثالث بين (مأزمي منى) ، وموضع الميل الرابع دون الجمرة الثالثة التي تلي مسجد الخيف بخمسة عشر ذراعا ، وموضع الميل الخامس وراء قرين الثعالب بمائة ذراع ...الخ
8- أخبار مكة للأزرقي (1018) : ذرع منى والجمار و(مأزمي منى) إلى محسر قال : ومن حد مسجد منى الذي يلي عرفات إلى وسط حياض الياقوتة ثلاثة آلاف وسبعمائة وثلاثة وخمسون ذراعا ، ومن وسط حياض الياقوتة إلى حد محسر ألفا ذراع ، ومن مسجد منى إلى قرين الثعالب ألف ذراع وخمسمائة وثلاثون ذراعا ، وذرع ما بين (مأزمي منى) من الجبل إلى الجبل خمسون ذراعا ، وذرع الطريق طريق العقبة من العلم الذي على الجدار إلى الجدار الذي بحذائه سبعة وستون ذراعا .
9- أخبار مكة للأزرقي (1020) : عدد الأميال من المسجد الحرام إلى موقف الإمام بعرفة ، وذكر مواضعها قال أبو الوليد : من باب المسجد الحرام - وهو الباب الكبير ، باب بني عبد شمس ، الذي يعرف اليوم ببني شيبة - إلى أول الأميال ، وموضعه على جبل الصفا ، والميل الثاني في حد جبل العيرة ، والميل حجر طوله ثلاثة أذرع ، وهو من الأميال المروانية , وموضع الميل الثالث بين (مأزمي منى) ، وموضع الميل الرابع دون الجمرة الثالثة التي تلي مسجد الخيف بخمسة عشر ذراعا ، وموضع الميل الخامس وراء (قرين الثعالب) بمائة ذراع ، وموضع الميل السادس في جدر حائط محسر ، وبين جدار حائط محسر ووادي محسر خمسمائة ذراع ، وخمسة وأربعون ذراعا ، وموضع الميل السابع دون مسجد مزدلفة بمائتي ذراع ، وسبعين ذراعا ، والميل حجر مرواني طوله ثلاثة أذرع ، وموضع الميل الثامن في حد الجبل دون (مأزمي عرفة) ، وهو بحيال سقاية زبيدة ، والطريق بينه وبين سقاية زبيدة ، وهو على يمينك وأنت متوجه إلى عرفات ، وموضع الميل التاسع بين (مأزمي عرفة) بفم الشعب الذي يقال له شعب المبال ، الذي بال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دفع من عرفة يريد المزدلفة ، وهذا الميل بحيال سقاية شعب السقيا سقاية خالصة ، وموضع الميل العاشر حيال سقاية ابن برمك ، وبينهما طريق ، وهو حد جبل المنظر ، وموضع الميل الحادي عشر في حد الدكان الذي يدور حول قبلة المسجد بعرفة مسجد إبراهيم خليل الرحمن ، وبينه وبين جدار المسجد خمسة وعشرون ذراعا ، وموضع الميل الثاني عشر خلف الإمام حيث يقف عشية عرفة على قرن يقال له النابت ، بينه وبين موقف النبي صلى الله عليه وسلم عشرة أذرع فيما بين المسجد الحرام ، وبين موقف الإمام بعرفة بريد سواء لا يزيد ولا ينقص .
10- أخبار مكة للأزرقي (970) : عن محمد بن عبد الرحمن بن هشام المخزومي الأوقص ، قال : كانت طريق النبي صلى الله عليه وسلم من حراء إلى ثور في شعب الرخم على الثنية التي تخرج على بئر خالد بن عبد الله القسري التي بين (مأزمي منى) ، يقال لها القسرية ، وهي الثنية التي عن يسار الذاهب إلى منى من مكة ، ثم سلك النبي صلى الله عليه وسلم في الشعب الذي بنى ابن شيحان سقاية بفوهته ، ثم في الثنية التي تخرج على المفجر ، فحبس ابن علقمة أعطيات الناس سنة ، وهو أمير مكة ، فضرب بها الثنية التي بين شعب الرخم وبين بئر خالد بن عبد الله القسري وبناها ، ودرج أبو جعفر أمير المؤمنين الثنية الأخرى التي تخرج إلى المفجر
11- أخبار مكة للأزرقي (125) : فلما كان آخر أيام منى أرسلت قضاعة إلى خزاعة يسألونهم أن يسلموا إلى قصي ما جعل له حليل ، وعظموا عليهم القتال في الحرم ، وحذروهم الظلم والبغي بمكة ، وذكروهم ما كانت فيه جرهم وما صارت إليه حين ألحدوا فيه بالظلم والبغي ، فأبت خزاعة أن تسلم ذلك ، فاقتتلوا بمفضى (مأزمي منى) قال : فسمي ذلك المكان المفجر لما فجر فيه وسفك فيه من الدماء ، وانتهك من حرمته ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، حتى كثرت القتلى في الفريقين جميعا ، وفشت فيهم الجراحات ، وحاج العرب جميعا من مضر واليمن مستكفون ينظرون إلى قتالهم ، ثم تداعوا إلى الصلح ، ودخلت قبائل العرب بينهم ، وعظموا على الفريقين سفك الدماء والفجور في الحرم
12- الأشعار :
من أشعار الجاهلية والتي نسبها ياقوت لبعض الأعراب ، ففي أخبار مكة للأزرقي (1/72) : «أن عمرو بن لحي أخرج ذلك الجرهمي من مكة, فنزل بأطم من أعراض مدينة النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو الشام فقال الجرهمي وقد تشوق إلى مكة:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
وأهلي معًا بـ(المأزمين) حلول
وهل أرين العيس تنفخ في البرا
لها بمنى و(المأزمين) ذميل» .
وقال كُثيّر بن عبد الرحمن :
فَقَدْ حَلَفَتْ جَهْداً بما نحرَتْ له
قريشٌ غداةَ (المأزمينِ) وصلّتِ
أُناديكَ ما حجَّ الحجيجُ وكبَّرتْ
بفيفاءِ (آلٍ) رُفقةٌ وأهلَّتِ
وما كبَّرتْ من فوقِ (رُكبةَ) رُفقةٌ
ومِنْ (ذي غَزَالٍ) أشعرَتْ واسْتَهَلَّتِ
قال أبو علي القالي في الأمالي (2/112) على هذه اللأبيات : المأزمان بين عرفة والمزدلفة .
قلت : هذا مردود ، فإن النحر بمنى ، والمأزمان مأزما منى .
وقال محمد بن وهيب الحميري :
أعدْتَ إلى أكناف مكة بهْجةً
خُزاعيَّةً كانت تُجِلّ وتُعظمُ
ليالي سُمَّارِ الحَجون إلى الصّفا
خُزاعة إذ خلَّت لها البيتَ جُرهُمُ
ولو نطقت بَطحاؤُها وحَجونُها
وخِيفُ مِنىً والمأزِمان وزمزمُ
قال الأحوص وهو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم الأنصاري المتوفى سنة 105هـ
أقولُ وأبصرتُ ابن حزمِ بنِ فَرْتَنَى
وُقُوفاً لَهُ بِالمَأْزِمَيْنِ القَبَائِلُ
تُرى فَرْتَنَى كانتْ بما بلغَ ابنها
مُصَدِّقَةً لَوْ قَالَ ذَلِكَ قَائِلُ
وقال عمر بن أبي ربيعة :
وشكوتُ الحبّ منها صادقاً
لَيْلَةَ (المأْزَمِ) في قَوْلٍ صُرَاحْ
وقال الشريف الرضي :
رب منى ورب (مأزميه)
ورب من عج بوقفتيه
عريان إلا معقدي برديه
لقد وسمت الدهر صفحتيه
وقال أيضا :
زينت أفعالنا أحسابنا
زينة اللهذم أنبوب الرديني
حسب ضاربة أعراقه
بقرارات منى و(المأزمين)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة في الفقه (3/528) : وسميت جمرة العقبة لأنها في عقبة (مأزم) منى وخلفها من ناحية الشام واد فيه بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه و سلم بيعة العقبة وقد بني هناك مسجد فيبدأ برمي هذه الجمرة قبل كل شيء كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم .
قلتُ : نعود إلى (مأزمي عرفة) وأن تسميته بالأخشبين لا تعرف ، وكتب الحديث والفقه تطفح بتسميته بـ(المأزمين) (مأزمي عرفة) ومن ذلك :
1- مسند أحمد بن حنبل (5982) عن أنس بن سيرين قال : كنت مع ابن عمر بعرفات ، فلما كان حين راح رحت معه حتى أتى الإمام فصلى معه الأولى والعصر ، ثم وقف معه وأنا وأصحاب لي حتى أفاض الإمام فأفضنا معه ، حتى انتهينا إلى المضيق دون (المأزمين) ، فأناخ وأنخنا ، ونحن نحسب أنه يريد أن يصلي ، فقال غلامه الذي يمسك راحلته : إنه ليس يريد الصلاة ، ولكنه ذكر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى هذا المكان قضى حاجته ، فهو يحب أن يقضي حاجته .
وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني
2- معرفة السنن والآثار للبيهقي (3126) عن الربيع قال : قال الشافعي رحمه الله : أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة ، فلما افترقت له الطريقان ، طريق ضب ، وطريق (المأزمين) ، سلك طريق المأزمين وهي التي أحب أن يسلك الحاج ، وهي طريق الأئمة منذ كانوا
3- جامع البيان في تفسير القرآن للطبري (3452) عن ابن أبي نجيح ، قال : يستحب للحاج أن يصلي ، في منزله بالمزدلفة إن استطاع ، وذلك أن الله قال : فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم " فأما المشعر فإنه هو ما بين جبلي المزدلفة من (مأزمي عرفة) إلى محسر ، وليس مأزما عرفة من المشعر . وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
4- جامع البيان في تفسير القرآن للطبري (3463) : عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : أين المزدلفة ؟ قال : إذا أفضت من (مأزمي عرفة) ، فذلك إلى محسر ، قال : وليس المأزمان مأزما عرفة من المزدلفة ، ولكن مفاضاهما . قال : قف بينهما إن شئت ، وأحب إلي أن تقف دون قزح هلم إلينا من أجل طريق الناس .
وأخرجه الأزرقي في أخبار مكة (946) ، والفاكهي في أخبار مكة (2643) .
5- أخبار مكة للأزرقي : في ذكر طريق ضب : (ضب طريق) مختصر من المزدلفة إلى عرفة ، وهي في أصل (المأزمين) عن يمينك وأنت ذاهب إلى عرفة ، وقد ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم سلكها حين غدا من منى إلى عرفة قال ذلك بعض المكيين
6- أخبار مكة للأزرقي (1006) : السقيا : المسيل الذي يفرغ بين (مأزمي عرفة) ونمرة على مسجد إبراهيم خليل الرحمن ، وهو الشعب الذي على يمين المقبل من عرفة إلى منى ، وفي هذا الشعب بئر عظيمة لابن الزبير ، كان ابن الزبير عملها وعمل عندها بستانا ، وعلى باب شعب السقيا بئر جاهلية قد عمرتها خالصة ، فهي تعرف بها اليوم الستار : ثنية من فوق الأنصاب ، وإنما سمي الستار ، لأنه ستر بين الحل والحرم
7- أخبار مكة للفاكهي (2630) : عن ابن عباس ، رضي الله عنهما قال : جمع من مفضى (المأزمين) إلى القرن الذي خلف وادي محسر
8- أخبار مكة للفاكهي (2657) : عن ابن جريج قال : سلك عطاء من عرفة إلى جمع (طريق ضب) ، فقيل له في ذلك ، فقال : لا بأس بذلك إنما هي الطريق ، وطريق ثنية ضب من طريق المزدلفة إلى عرفة ، وهي في أصل المأزمين على يمين الذاهب إلى عرفة ، ويقال والله أعلم أنها كانت طريق موسى بن عمران النبي صلى الله عليه وعلى نبينا محمد وسلم .
9- أخبار مكة للفاكهي (2761) : عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كره أن يصلى خلف الأميال التي عملها بنو مروان قال سفيان : هي مثل النصب . قال يحيى بن عاصم في حديثه : حجارة قيام ؛ لأن القوم كانوا عبدة أوثان . وموضع الميل الثالث عند (مأزمي منى) وموضع الميل الرابع دون الجمرة الثالثة التي تلي مسجد الخيف بخمسة عشر ذراعا ، وموضع الميل الخامس وراء (قرين الثعالب) بمائة ذراع ، وموضع الميل السادس في حد جدر حائط محسر وبينه وبين جدار حائط محسر ووادي محسر خمسمائة ذراع وخمسة وأربعون ذراعا . وموضع الميل السابع دون مسجد مزدلفة بمائة ذراع وسبعين ذراعا . والميل حجر مرواني طوله ثلاثة أذرع . وموضع الميل الثامن في حد الجبل دون (مأزمي عرفة) وهو حيال سقاية زبيدة ، والطريق بينه وبين سقاية زبيدة وهو على يمينك وأنت متوجه إلى عرفات . وموضع الميل التاسع بين (مأزمي عرفة) بفم الشعب الذي يقال له شعب المبال الذي بال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دفع من عرفة ليلة المزدلفة .
10- أخبار مكة للأزرقي (195) : وكانت الحمس تقول : لا تعظموا شيئا من الحل ، ولا تجاوزوا الحرم في الحج ، فلا يهاب الناس حرمكم ، ويرون ما تعظمون من الحل كالحرم فقصروا عن مناسك الحج والموقف من عرفة وهو من الحل ، فلم يكونوا يقفون به ولا يفيضون منه ، وجعلوا موقفهم في طرف الحرم من نمرة بمفضى (المأزمين) ، يقفون به عشية عرفة .
جبل (المأزم الشمالي) ويسمّى اليوم عند الناس (الأخشب الكبير)
https://www.google.com/maps/place/21%C2%B022'50.1%22N+39%C2%B055'59.9%22E/@21.380571,39.9354837,773m/data=!3m2!1e3!4b1!4m6!3m5!1s0x0:0x0!7e2!8m2!3d21.380571!4d39.9332946
جبل (المأزم الجنوبي) ويسمّى اليوم عند الناس (الأخشب الصغير)
https://www.google.com/maps/place/21%C2%B022'07.8%22N+39%C2%B055'56.9%22E/@21.368821,39.9346597,695m/data=!3m2!1e3!4b1!4m6!3m5!1s0x0:0x0!7e2!8m2!3d21.3688212!4d39.9324706
وهذه صور لمأزمي عرفة
ملاحظة :
ورد في صحيح مسلم (2517) عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حرما ، وإني حرمت المدينة حراما ما بين (مأزميها) ، أن لا يهراق فيها دم ، ولا يحمل فيها سلاح لقتال ، ولا تخبط فيها شجرة إلا لعلف ، اللهم بارك لنا في مدينتنا ، اللهم بارك لنا في صاعنا ، اللهم بارك لنا في مدنا ، اللهم بارك لنا في صاعنا ، اللهم بارك لنا في مدنا ، اللهم بارك لنا في مدينتنا ، اللهم اجعل مع البركة بركتين ، والذي نفسي بيده ، ما من المدينة شعب ، ولا نقب إلا عليه ملكان يحرسانها حتى تقدموا إليها .
والحديث في مستخرج أبي عوانة (3043) ، السنن الكبرى للنسائي (4147) ، السنن الكبرى للبيهقي (9380) .
قلت : إن كانت هذه اللفظة محفوظة وليست من تصرّف الرواة ، فعلى العين والرأس ، وتحمل على المعنى اللغوي دون الجغرافي ، كما صنع العلماء وشرّاح مسلم .
وكتب
حمود بن مطلق الدغيلبي
في عاشوراء 10/1/1440 هـ
مكة المكرمة حرسها الله من كل شرٍّ وكيد .
وهذا رابط للبحث كاملا :
https://drive.google.com/file/d/1gQotfdsDztgAb7jUuPsFnuVldDR2YiUB/view
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق