(العقيق) و (عقيق عُشيرة)
قال صالح : «العقيق هو عقيق عشيرة اليوم وفيه يوم شهير من أيام العرب بين هذيل وسليم , ويقول عروة الهذلي عن وادي العقيق» :(أغير إذا العقيق أغير فيه ...وبعض القوم ليس له نكير)
قلت : كلام الأخ صالح هنا كبقية كلامة في سائر المواقع , تدليس وتلبيس وتحريف للكلم عن مواضعه , إلا أنه هنا خالف منهجه السابق في التصحيف , فقد كان سابقا يأخذ اسماً لموقع واحد فيجعل منه اسمين لموقعين , أمّا هنا فقد أخذ ثلاثة مواقع فسخطها فجعلها اسماً لموقع واحد , بسبب جهله وعدم تمييزه بين المواقع , فإن اسم (العقيق) يكثر في بلاد العرب ، وقد اختلط على كثير من البلدانيين كياقوت والبكري أمكنة الأعقة وأحداثها , وكان البكري أشدّ اختلاطاً في أماكن العقيق وأحداثه , و(العقيق) كل ما عقّه السيل ، أي : شقه ، فهو عقيق ، أو كل واد لون ترابه يميل إلى الحمرة، فهو عقيق ، وقد اختلفوا في سبب الاسم ، والأقوى هو الأول ، فالعرب تقول لكل مسيلِ ماءٍ شقه السيلُ في الأرض فأنهره ووسعه (عقيق) والمشهور منها في بلاد العرب عدة (أعقة) جمع عقيق , سأذكرها ثم أبيّن ما في كلام صالح , فمنها :
1- العقيق (وادي العقيق) ، أو (عقيق المدينة) وهو أشهر أودية المدينة ، بل أشهر الأعقة كلها ، وإذا أطلق اسم (العقيق) لا ينصرف إلا إليه , وهو المذكور في حديث رسول الله الذي رواه البخاري عن عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بوادي العقيق يقول : «أتاني الليلة آت من ربي فقال : صلّ في هذا الوادي المبارك ، وقل : عمرة في حجة» , وفيه كثير من الأحاديث والأخبار والأشعار , وقد صُنّفت فيه مصنفات .
2- والعقيق: (عقيق الطائف) جاء ذكره في غزوة الطائف، ويمر بطرف الطائف من الشمال إلى الغرب قليلا ، وقد ورد في السيرة لابن هشام عن ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل بقرب الطائف بواد يقال له (العقيق) ، واعتمد هذه الرواية ابن عبد البر في «الدرر في اختصار المغازي والسير» ، و(العقيق) من منازل عليا هوازن , من ثقيف وبني نصر , وقد دخل اليوم في توسع مدينة الطائف , وللبلادي رحمه الله رأي آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل (العقيق) في منصرفه من الطائف , قلت : وهذا بعيد جداً , أولاً : هذا مخالف لما ورد في السير والمغازي , ثانياً : أن (العقيق) قريب جداً من الطائف وليس بعيداً حتى يحتاج للنزول أو الراحة , فلا يتصوّر من يعرف الطائف و(العقيق) أن النبي صلى الله عليه وسلم يسير بجيشه من الطائف وينزل العقيق .
3- والعقيق (عقيق عشيرة) : وهو من أودية الحجاز، قريب من ذات عرق ، وهو من المواقيت , فقد أخرج أحمد في المسند وأبو داود والترمذي عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق (العقيق) . قال الترمذي : «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ»
قلت : حديث ابن عباس ضعيف فإنه تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو سيئ الحفظ , وهو يخالف مارواه مسلم في صحيحه عن جابر , فأحاديث التوقيت من ذات عرق أصح وأكثر وأرجح .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح : «وأما ما أخرجه أبو داود والترمذي من وجه آخر عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق (العقيق) فقد تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف ، وإن كان حفظه فقد جمع بينه وبين حديث جابر وغيره بأجوبة ، منها أن ذات عرق ميقات الوجوب ، والعقيق ميقات الاستحباب ، لأنه أبعد من ذات عرق» , وقال الشافعي : «لو أهلّوا من العقيق كان أحبّ إليّ» , وهو من منازل هوازن ولا زال إلى اليوم من منازلهم .
4- (عقيق تمرة) ويسمّى (عقيق بني عقيل) , وبنو عقيل من هوازن , وهو المعروف الآن باسم (وادي الدواسر) , في الطبقات الكبرى لابن سعد : : «وفد منا من بني عقيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ربيع بن معاوية بن خفاجة بن عمرو بن عقيل ومطرف بن عبد الله بن الأعلم بن عمرو بن ربيعة بن عقيل وأنس بن قيس بن المنتفق بن عامر بن عقيل فبايعوا وأسلموا وبايعوه على من وراءهم من قومهم فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم (العقيق) عقيق بني عقيل ، وهي أرض فيها عيون ونخل ، وكتب لهم بذلك كتابا في أديم أحمر» .
قال أبو بكر الحازمي (المتوفى: 584هـ) في «الأماكن أو ما اتفق لفظه وافترق مسماه من الأمكنة» : (رَنْيَةَ) قَرْيَة في حد تبالة، قاله الكندي وقال: يسكنها بنو عقيل، وهناك قَرْيَة يُقَالُ لها (بيشة) و(تثليثُ) و(يبمبم) و(العقيق) عقيقُ تمرة كلها لِعقيل ومياهها بثور , والبثر يشبه الأحساء ، يجري تحت الحصا على مقدار ذراع وذراعين ورُبما أثارته الدواب بحوافرها .
5- (عقيق العارض) وهو مما يلي العرمة , شرق الرياض يميل نحو الشمال , وهو المعروف الآن باسم (الشوكي) .
قلت : هذه بعض الأعقة المشهورة وغيرها كثير , في نجد وتهامة , أمّا المواقع الثلاثة التي جعلها الأخ صالح موقعاً واحداً فهي :
الأول هو : العقيق (عقيق عشيرة) .
قال صالح : «العقيق هو عقيق عشيرة اليوم» , قلت : هذا من تخرصات وأماني الأخ صالح , فلم يكن (عقيق عشيرة) من بلاد هذيل , لا في الجاهلية ولا في الإسلام , والعقيق (عقيق عشيرة) من منازل هوازن في الجاهلية والإسلام , ولم أجد من قال خلاف ذلك إلا صالح بن دخيل الله بلا حجة ولا دليل .
1- روى الحارث ابن أبي أسامة (المتوفى: 282هـ) في «المسند» (884) , أبو الحسين ابن قانع (المتوفى: 351هـ) في «معجم الصحابة» (1392) , أبو نعيم الأصبهاني (المتوفى: 430هـ) في «معرفة الصحابة» (5151) قصة إسلام (النابغة الجعدي) وإنشاده قصيدته المشهورة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الصحابي الجليل (النابغة الجعدي) أبو ليلى عبد الله بن قيس بن عدس بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن -رضي الله عنه - عندما جاء للنبي صلى الله عليه وسلم مسلما وأنشده قصيدته الرائية وهي من روائع الشعر العربي وأحسنه ، ومما يُستجاد وينتقى ، وهي قصيدة طويلة نحو مائتي بيت أولها :
خليليّ عُوجا ساعَةً وَتَهَجَّرا ... ولُوما على ما أَحْدثَ الدهرُ أَوْ ذَرَا
إلى أن قال :
أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، إذ جاءَ بِالهُدى، ... وَيَتْلو كِتاباً كالمجرّةِ نيِّرا
إلى أن قال :
فما وَجَدَتْ مِنْ فِرْقَةٍ عَرَبِيّةٍ ... كَفيلاً، دَنَا مِنّا، أعَزَّ وأَنْصَرَا
وَأَكْثَرَ مِنّا ناكِحاً لِغَريبةٍ، ... أُصِيبَتْ سِباءً، أو أرادَتْ تخَيُّرا
وَأَسْرَعَ مِنّا إن أَرَدْنَا انْصِرَافَةً، ... وَأَكْثَرَ مِنّا دَارِعِينَ وَحُسَّرَا
وَأَجْدَرَ أَنْ لا يَتْرِكوا عَانِياً لَهُم، ... فَيَغْبُرَ حَوْلاً في الحديد مكفَّرا
وقد آنَسَتْ مِنّا قُضاعةُ كالئاً.. فأضْحَوا بِبَصري يَعصُرونَ الصّنوْبرا
وكِندةُ كانت بـ(العقيقِ) مُقِيمةً، ... وعَكُّ فكُلاً قد طَحَرناه مَطحَرا
كِنانةٌ بينَ الصّخْرِ والبَحْرُ دَارُهم، ... فأسْكَنَهَا إنْ لم تجِدْ متأخَّرا
وَتُنْكِرُ يَوْمَ الرّوْعِ ألَوانّ خَيْلَنا مِنَ الطعنِ، حتى تَحْسِبَ الجَون أشقرا
وَنَحْنُ أُناسٌ لاَ نُعَوّدُ خَيْلَنا، ... إذا ما التقينا، أن تَحيدَ وَتَنفُرا
وما كانَ مَعْرُوفاً لَنَا أَنّ نَرُدّهَا ... صِحاحاً، ولا مُسْتَنْكَراً أن تُعقَّرا
بَلَغْنَا السّما مَجْداً وَجُوداً وَسُودَداً، ... وإنّا لَنَرْجو، فَوْقَ ذَلِكَ، مَظهرا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أين المظهر يا أبا ليلى؟» فقال: «الجنة»، قال النبي: «أجل إن شاء الله»، ثم أكمل إنشاده:
وكلُّ مَعَدّ قَد أَحَلّتْ سُيُوفَنَا ... جَوَانِبَ بَحْرٍ، ذي غَوَارِبَ، أَخْضَرا
إلى أن قال :
وَلاَ خَيْرَ في حِلْم، إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... بَوَادرُ تَحْمي صَفْوَهُ أن يُكدَّرا
وَلاَ خَيْرَ في جَهْلٍ، إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... حَلِيمٌ، إذا ما أَوْرَدَ الأمْرَ أصدرا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : : «لايفض الله فاك» قال : فكان من أحسن الناس ثغرا ، وكان إذا سقطت له سن نبتت له .
وهو حديث حكم بضعفه العراقي وقال الحافظ ابن حجر : «له أصل» , والكلام على صحة الحديث هو للحكم على قول النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه للنابغة الجعدي , ولا يتناول ثبوت صحبة (النابغة الجعدي) أو قصيدته , فهي ثابته , وقصيدته - رضي الله عنه - من مطوّلات الشعر العربي وجزيله , وهي حجة بالاتفاق في اللغة والتاريخ والحوادث , وفيها صرّح - رضي الله عنه - أن العقيق كان لكندة وأخرجتهم هوازن منه وهم أهله من ذلك الوقت إلى اليوم , ولا زالت تلك المنطقة تنسب لكندة فيقال : «غمر ذي كندة» .
2- غزو أنَس بن مُدْرِك الخثعميّ - رضي الله عنه - في الجاهلية لبني جُشم بن معاوية على (العقيق) في قصة له معروفة مع دريد بن الصمّة سيّد بني جشم , فقال أنس - رضي الله عنه - :
نحْنُ جَلَبْنَا الخَيْلَ مِن غرْبِ أَرضِنَا... إلى جَنْبِ أشْوالٍ فَذَاتِ بُصَاقِ
وكَائِنْ تَرَكْنَا في هَوازِنَ مِنْ دَمِ ... إلى جَنْب أَشْوَالِ (العَقِيق) مُراقِ
3- قال إبراهيم بن إسحاق الحربي (المتوفى 285 هـ) في الكتاب المنسوب له «المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة» (346) بعد أن تكلم عن (غمرة) وأنها من بلاد هوازن ثم قال : «وبها واد عظيم يصب فيها ويجوزها وهو وادي العقيق» .
4- وقَالَ دريد بن الصمّة وهو سيّد بني جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن :
لمن طلل بذات الخمس أمسى ... عفا بين (العقيق) فبطن ضرس
5- قال جؤيّة بن عائذ النصري - على الصحيح - من بني يربوع بن واثلة بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن :
ألا أيها الركب المخبون هل لكم ... بأهل العقيق والمناقب من علم
فقالوا عن أهل العقيق سألتنا ..أولي الخيل والأنعام والمجلس الفخم
فقلت بلى إن الفؤاد يهيجه ... تذكر أوطان المحبة والجذم
6- قال أبو وجزة السعدي (بني سعد بن بكر بن هوازن) وهو من علماء التابعين عاصر عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين :
يادار أسماء قد أقوت بأنشاج ... كالوشم أو كإمام الكاتب الهاجي
يا صاحبيّ انظرا هل تؤنسان لنا ... بين (العقيق) وأوطاس بأحداج
وهي أطول من ذلك .
7- وقال أبو وجزة السعدي أيضاً :
تباري بأجواز العقيق غُديّة ... على هاجرات حان منها نزولها
وقد كان ذنَب العقيق وآخره في ديار سليم , فديارهم مجاورة لتلك الديار , لذا ورد ذكره في أشعارهم قال عبّاس بن مرداس:
خفافيّة بطن العقيق مصيفها ... وتحتلّ فى البادين وجرة والعرفا
واليوم كلّه في بلاد هوازن , أعلاه عند برقا وأسفله عند الروقة , إلى قرب بلدة حاذة حيث الحدّ بينهم وبين بني عبد الله من مطير .
قلت : والذي يظهر لي أن (عقيق عشيرة) هو العقيق اليماني خلافاً لقول السكري وغيره , فهو يماني بنسبة للعقيق المعروف (عقيق المدينة) .
قال جرير:
إذا ما جعلت السيَّ بيني وبينها ... وحرة ليلى والعقيق اليمانيا
الثاني : من المواقع أو العقيق الثاني : (عقيق الطائف) .
قلت : الأخ صالح اخترع الكلام السابق ورسم هذه الخارطة عندما وجد قصة ذكرها السكري , ليس لها زمام ولا خطام , بل القصة تردُّ عليه ولا تخدمه في دعواه ولا تخدم تاريخ القبيلة , ولكنه لا يفهم ولا يميّز بين المدح والقدح , ذكر السُكري في شرحه (2/850) الوقعة التي حدثت بين بني قُريم وبني عُصيّة , بعقيق الطائف , فقال : «كان من حديث بني عصيه من سليم بن منصور , إنهم خرجوا يريدون بني عامر بن صعصعه , ثم إنصرفوا إلى الطائف فاشتروا منه زاداً وخمراً وهم قريب من خمسين أو ستين رجلاً , فذُكروا لبني قريم بن صاهله , وكانوا يطلبون فيهم وتراً , فخرج من بني قريم عصبه فتقدموا لرجلٍ من ثقيف , فجعلوا له على أن يخبرهم بالثنيّة التي يخرج فيها بنو عُصية من الطائف , ففعل وأخبرهم فخرجوا حتى قعدوا لهم بثنيهٍ أسفل من العقيق , حتى مروا عليهم , فلما أشرفوا بالثنيه ناداهم رجل من بني قريم فقال : من القوم ؟ قالوا : بنو عُصية . فمالت عليهم بنو قريم فكان ضرب ورمي فقتلوهم إلأ ثلاثة نفر أعجزوهم وعقروا خيولهم , فقال في ذلك شاعر بني سليم :
لعمرك ما خشينَ بني قريم ... غداة غدون من أهل العقيق
وقلنَ بنو عصيّة فاعرفونا ... وما إن ينتسبن إلى صديق
كأن الخيل إذ صفقت بعمرو...وإخوته تصفّق في حريق» . انتهى
فلو تأمل الأخ صالح كلام السكري السابق -على ما فيه- لعلم أن دعواه زور وباطل , ففي هذا النقل عدة أدلة :
1- أن قبيلة ثقيف الهوازنية هم أهل العقيق , وليس قبيلة هذيل .
2- أنه العقيق (عقيق الطائف) وليس العقيق (عقيق عشيرة) .
3- ذكر الثنايا وهي المناقب والريعان , وهذه في (عقيق الطائف) وليست في (عقيق عشيرة) .
وقد وجدت الأخ صالح ذكر هذه القصة في موضوع له عن (خيل هذيل) ! مع أني لا أعرف سبب إيراده لها , وهذا السبب لا أريد أن أعرفه , ولا يخصني ولا يهمني , ولكن الذي يهمني أني وجدته حرّف فيها تحريفاً قبيحاً , فقال :
ا/العقيق الممتد بين هجرة عشيرة وهجرة المحاني مصاقب لحرة الشيابين على مشارف سهل ركبه .
ب/يريدون (غزوا) بني عامر .
ج/إلأ ثلاثة منهم اعجزوهم (فرارا) .
فهذه الزيادات من كيس الأخ صالح , أولاً : من أين أتى صالح بأنه عقيق عشيرة ؟ وهو يقرأ الطائف , إلا أن يكون لا يميّز بينهما أو أنه يخترع من نفسه , ثانياً : من أين أتى صالح بأن سُليم كانت غازية هوازن وهي في الطائف بلاد هوازن ؟! هذا هراء , ثالثاً : من أين أتى صالح بأن السلميين فرّوا ؟! هذا افتراء .
بل هؤلاء الثلاثة أعجزوهم قتالاً , كيف يفرّ الرجل ثم يفتخر بالمعركة ؟! فقول السُلمي هنا ينفي الخشية فضلا عن الخوف ثم يذكر أنهم بيّنوا أنفسم ثم يذكر ترددهم بالخيل عليهم وبينهم فقال :
لعمرك ما خشينَ بني قريم ... غداة غدون من أهل العقيق
وقلنَ بنو عصيّة فاعرفونا ... وما إن ينتسبن إلى صديق
كأن الخيل إذ صفقت بعمرو... وإخوته تصفّق في حريق
وهذا يشكك في هذه القصة برمّتها , أضف إلى ذلك أن السُلمي إذا كان يريد الذهاب إلى بني عامر فلماذا يرجع إلى الطائف ؟!
وبهذا تعلم أن قول صالح : «وفيه يوم شهير من أيام العرب بين هذيل وسليم» , هو من التهاويل والجهل , دعك أخي صالح من أيام العرب , فإنك لن تجد أحداً يوافقك على هذه الدعاوى العريضة , بل لو قلت : «هو يوم شهير من أيام هذيل» فإنك لن تجد من يوافقك على ذلك أيضا , كيف يكون يوماً شهيراً من أيام هذيل ولم يذكره هذلي واحد ؟ بل الأبيات التي وردت فيه لشاعرٍ من سُليم يفتخر .
وبما أنك تريد يوماً من أيام العرب في (العقيق) , فإليك هذا اليوم , وهو صحيح لا كذب فيه ولا دجل ولا تزوير , كان الصمة الجشمي سيّد جُشم أبو دريد شاعراً وهو من زعماء هوازن وفرسانها , فقال في يوم من أيام الفجار , بعد استمر القتال من عكاظ إلى العقيق عقيق الطائف :
لاقت قريش غداة (العقيق) أمراً لها وجدته وبيلا
وجئنا إليهم كموج الآتيّ يعلو النجاد ويملأ المسيلا
وأعددت للحرب خيفانة ورمحاً طويلاً وسيفاً صقيلا
ومحكمة من دروع القيون تسمع للسيف فيها صليلا
ثالثاً : العقيق الثالث الذي ذكره هو عقيق في تهامة ولبّس على الناس , فقام بتصوير البيت الأول وحذف بقية الأبيات التي تردّ عليه , فهذه الأبيات :
أغير إذا (العقيق) أغير فيه ...وبعض القوم ليس له نكير
وقال أبو أمامة يالبكر ... فقلت ومرخة دعوى كبير
فلمّا أن هبطنا بطن(لِيثٍ)...وقد تبدوا لذي الرأي الأمور
فـ(العقيق) هذا في تهامة جهة (الليث) , وليس كما أوهم الناس أنه عقيق عشيرة ، غفر الله لنا وله .
وفي تهامة أعقة كثيرة :
1- قال عاتق في معجمه (1177) : «العقيق واد غرب مكة من روافده الخمرة والخميرة , فيه مزارع حبحب للعرامطة من الأشراف , ثم يدفع في الساحل غير بعيد عن مصب مرّ الظهران جنوبا».
2- قال أبو صخر الهذلي:
ألمّ خيال طارقٌ متأوِّب ... لأم حكيم بعدما نمتُ موصبُ
ومن دونها قاع النقيع فأسقف ... فبطن (العقيق) فالخبيت فعنبب
وأهلي بواد من تهامة غائر ... بأسفل هضيمة أراك وتنضُبُ
3- قال السّكري في قول أبي خراش الهذلي:
دعا قومه، لمّا استحلّ حرامه، ... ومن دونهم أرض الأعقّة والرّمل
الأعقّة: رمل، وحرامه: جواره وعهده، وقال ابن حبيب: الأعقّة جمع عقيق بمكة،
ومما قيل في عقيق بني عقيل
1- القحيف بن حميّر العقيلي حيث قال:
أأمّ ابن إدريس ألم يأتك الذي ... صبحنا ابن إدريس به فتقطّرا؟
فليتك تحت الخافقين ترينه ... وقد جعلت درعا عليها ومغفرا
يريد العقيق ابن المهير ورهطه.. ودون العقيق الموت وردا وأحمر
وكيف تريدون العقيق ودونه ... بنو المحصنات اللابسات السّنّورا؟
قال صالح : «العقيق هو عقيق عشيرة اليوم وفيه يوم شهير من أيام العرب بين هذيل وسليم , ويقول عروة الهذلي عن وادي العقيق» :(أغير إذا العقيق أغير فيه ...وبعض القوم ليس له نكير)
قلت : كلام الأخ صالح هنا كبقية كلامة في سائر المواقع , تدليس وتلبيس وتحريف للكلم عن مواضعه , إلا أنه هنا خالف منهجه السابق في التصحيف , فقد كان سابقا يأخذ اسماً لموقع واحد فيجعل منه اسمين لموقعين , أمّا هنا فقد أخذ ثلاثة مواقع فسخطها فجعلها اسماً لموقع واحد , بسبب جهله وعدم تمييزه بين المواقع , فإن اسم (العقيق) يكثر في بلاد العرب ، وقد اختلط على كثير من البلدانيين كياقوت والبكري أمكنة الأعقة وأحداثها , وكان البكري أشدّ اختلاطاً في أماكن العقيق وأحداثه , و(العقيق) كل ما عقّه السيل ، أي : شقه ، فهو عقيق ، أو كل واد لون ترابه يميل إلى الحمرة، فهو عقيق ، وقد اختلفوا في سبب الاسم ، والأقوى هو الأول ، فالعرب تقول لكل مسيلِ ماءٍ شقه السيلُ في الأرض فأنهره ووسعه (عقيق) والمشهور منها في بلاد العرب عدة (أعقة) جمع عقيق , سأذكرها ثم أبيّن ما في كلام صالح , فمنها :
1- العقيق (وادي العقيق) ، أو (عقيق المدينة) وهو أشهر أودية المدينة ، بل أشهر الأعقة كلها ، وإذا أطلق اسم (العقيق) لا ينصرف إلا إليه , وهو المذكور في حديث رسول الله الذي رواه البخاري عن عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بوادي العقيق يقول : «أتاني الليلة آت من ربي فقال : صلّ في هذا الوادي المبارك ، وقل : عمرة في حجة» , وفيه كثير من الأحاديث والأخبار والأشعار , وقد صُنّفت فيه مصنفات .
2- والعقيق: (عقيق الطائف) جاء ذكره في غزوة الطائف، ويمر بطرف الطائف من الشمال إلى الغرب قليلا ، وقد ورد في السيرة لابن هشام عن ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل بقرب الطائف بواد يقال له (العقيق) ، واعتمد هذه الرواية ابن عبد البر في «الدرر في اختصار المغازي والسير» ، و(العقيق) من منازل عليا هوازن , من ثقيف وبني نصر , وقد دخل اليوم في توسع مدينة الطائف , وللبلادي رحمه الله رأي آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل (العقيق) في منصرفه من الطائف , قلت : وهذا بعيد جداً , أولاً : هذا مخالف لما ورد في السير والمغازي , ثانياً : أن (العقيق) قريب جداً من الطائف وليس بعيداً حتى يحتاج للنزول أو الراحة , فلا يتصوّر من يعرف الطائف و(العقيق) أن النبي صلى الله عليه وسلم يسير بجيشه من الطائف وينزل العقيق .
3- والعقيق (عقيق عشيرة) : وهو من أودية الحجاز، قريب من ذات عرق ، وهو من المواقيت , فقد أخرج أحمد في المسند وأبو داود والترمذي عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق (العقيق) . قال الترمذي : «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ»
قلت : حديث ابن عباس ضعيف فإنه تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو سيئ الحفظ , وهو يخالف مارواه مسلم في صحيحه عن جابر , فأحاديث التوقيت من ذات عرق أصح وأكثر وأرجح .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح : «وأما ما أخرجه أبو داود والترمذي من وجه آخر عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق (العقيق) فقد تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف ، وإن كان حفظه فقد جمع بينه وبين حديث جابر وغيره بأجوبة ، منها أن ذات عرق ميقات الوجوب ، والعقيق ميقات الاستحباب ، لأنه أبعد من ذات عرق» , وقال الشافعي : «لو أهلّوا من العقيق كان أحبّ إليّ» , وهو من منازل هوازن ولا زال إلى اليوم من منازلهم .
4- (عقيق تمرة) ويسمّى (عقيق بني عقيل) , وبنو عقيل من هوازن , وهو المعروف الآن باسم (وادي الدواسر) , في الطبقات الكبرى لابن سعد : : «وفد منا من بني عقيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ربيع بن معاوية بن خفاجة بن عمرو بن عقيل ومطرف بن عبد الله بن الأعلم بن عمرو بن ربيعة بن عقيل وأنس بن قيس بن المنتفق بن عامر بن عقيل فبايعوا وأسلموا وبايعوه على من وراءهم من قومهم فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم (العقيق) عقيق بني عقيل ، وهي أرض فيها عيون ونخل ، وكتب لهم بذلك كتابا في أديم أحمر» .
قال أبو بكر الحازمي (المتوفى: 584هـ) في «الأماكن أو ما اتفق لفظه وافترق مسماه من الأمكنة» : (رَنْيَةَ) قَرْيَة في حد تبالة، قاله الكندي وقال: يسكنها بنو عقيل، وهناك قَرْيَة يُقَالُ لها (بيشة) و(تثليثُ) و(يبمبم) و(العقيق) عقيقُ تمرة كلها لِعقيل ومياهها بثور , والبثر يشبه الأحساء ، يجري تحت الحصا على مقدار ذراع وذراعين ورُبما أثارته الدواب بحوافرها .
5- (عقيق العارض) وهو مما يلي العرمة , شرق الرياض يميل نحو الشمال , وهو المعروف الآن باسم (الشوكي) .
قلت : هذه بعض الأعقة المشهورة وغيرها كثير , في نجد وتهامة , أمّا المواقع الثلاثة التي جعلها الأخ صالح موقعاً واحداً فهي :
الأول هو : العقيق (عقيق عشيرة) .
قال صالح : «العقيق هو عقيق عشيرة اليوم» , قلت : هذا من تخرصات وأماني الأخ صالح , فلم يكن (عقيق عشيرة) من بلاد هذيل , لا في الجاهلية ولا في الإسلام , والعقيق (عقيق عشيرة) من منازل هوازن في الجاهلية والإسلام , ولم أجد من قال خلاف ذلك إلا صالح بن دخيل الله بلا حجة ولا دليل .
1- روى الحارث ابن أبي أسامة (المتوفى: 282هـ) في «المسند» (884) , أبو الحسين ابن قانع (المتوفى: 351هـ) في «معجم الصحابة» (1392) , أبو نعيم الأصبهاني (المتوفى: 430هـ) في «معرفة الصحابة» (5151) قصة إسلام (النابغة الجعدي) وإنشاده قصيدته المشهورة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الصحابي الجليل (النابغة الجعدي) أبو ليلى عبد الله بن قيس بن عدس بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن -رضي الله عنه - عندما جاء للنبي صلى الله عليه وسلم مسلما وأنشده قصيدته الرائية وهي من روائع الشعر العربي وأحسنه ، ومما يُستجاد وينتقى ، وهي قصيدة طويلة نحو مائتي بيت أولها :
خليليّ عُوجا ساعَةً وَتَهَجَّرا ... ولُوما على ما أَحْدثَ الدهرُ أَوْ ذَرَا
إلى أن قال :
أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، إذ جاءَ بِالهُدى، ... وَيَتْلو كِتاباً كالمجرّةِ نيِّرا
إلى أن قال :
فما وَجَدَتْ مِنْ فِرْقَةٍ عَرَبِيّةٍ ... كَفيلاً، دَنَا مِنّا، أعَزَّ وأَنْصَرَا
وَأَكْثَرَ مِنّا ناكِحاً لِغَريبةٍ، ... أُصِيبَتْ سِباءً، أو أرادَتْ تخَيُّرا
وَأَسْرَعَ مِنّا إن أَرَدْنَا انْصِرَافَةً، ... وَأَكْثَرَ مِنّا دَارِعِينَ وَحُسَّرَا
وَأَجْدَرَ أَنْ لا يَتْرِكوا عَانِياً لَهُم، ... فَيَغْبُرَ حَوْلاً في الحديد مكفَّرا
وقد آنَسَتْ مِنّا قُضاعةُ كالئاً.. فأضْحَوا بِبَصري يَعصُرونَ الصّنوْبرا
وكِندةُ كانت بـ(العقيقِ) مُقِيمةً، ... وعَكُّ فكُلاً قد طَحَرناه مَطحَرا
كِنانةٌ بينَ الصّخْرِ والبَحْرُ دَارُهم، ... فأسْكَنَهَا إنْ لم تجِدْ متأخَّرا
وَتُنْكِرُ يَوْمَ الرّوْعِ ألَوانّ خَيْلَنا مِنَ الطعنِ، حتى تَحْسِبَ الجَون أشقرا
وَنَحْنُ أُناسٌ لاَ نُعَوّدُ خَيْلَنا، ... إذا ما التقينا، أن تَحيدَ وَتَنفُرا
وما كانَ مَعْرُوفاً لَنَا أَنّ نَرُدّهَا ... صِحاحاً، ولا مُسْتَنْكَراً أن تُعقَّرا
بَلَغْنَا السّما مَجْداً وَجُوداً وَسُودَداً، ... وإنّا لَنَرْجو، فَوْقَ ذَلِكَ، مَظهرا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أين المظهر يا أبا ليلى؟» فقال: «الجنة»، قال النبي: «أجل إن شاء الله»، ثم أكمل إنشاده:
وكلُّ مَعَدّ قَد أَحَلّتْ سُيُوفَنَا ... جَوَانِبَ بَحْرٍ، ذي غَوَارِبَ، أَخْضَرا
إلى أن قال :
وَلاَ خَيْرَ في حِلْم، إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... بَوَادرُ تَحْمي صَفْوَهُ أن يُكدَّرا
وَلاَ خَيْرَ في جَهْلٍ، إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... حَلِيمٌ، إذا ما أَوْرَدَ الأمْرَ أصدرا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : : «لايفض الله فاك» قال : فكان من أحسن الناس ثغرا ، وكان إذا سقطت له سن نبتت له .
وهو حديث حكم بضعفه العراقي وقال الحافظ ابن حجر : «له أصل» , والكلام على صحة الحديث هو للحكم على قول النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه للنابغة الجعدي , ولا يتناول ثبوت صحبة (النابغة الجعدي) أو قصيدته , فهي ثابته , وقصيدته - رضي الله عنه - من مطوّلات الشعر العربي وجزيله , وهي حجة بالاتفاق في اللغة والتاريخ والحوادث , وفيها صرّح - رضي الله عنه - أن العقيق كان لكندة وأخرجتهم هوازن منه وهم أهله من ذلك الوقت إلى اليوم , ولا زالت تلك المنطقة تنسب لكندة فيقال : «غمر ذي كندة» .
2- غزو أنَس بن مُدْرِك الخثعميّ - رضي الله عنه - في الجاهلية لبني جُشم بن معاوية على (العقيق) في قصة له معروفة مع دريد بن الصمّة سيّد بني جشم , فقال أنس - رضي الله عنه - :
نحْنُ جَلَبْنَا الخَيْلَ مِن غرْبِ أَرضِنَا... إلى جَنْبِ أشْوالٍ فَذَاتِ بُصَاقِ
وكَائِنْ تَرَكْنَا في هَوازِنَ مِنْ دَمِ ... إلى جَنْب أَشْوَالِ (العَقِيق) مُراقِ
3- قال إبراهيم بن إسحاق الحربي (المتوفى 285 هـ) في الكتاب المنسوب له «المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة» (346) بعد أن تكلم عن (غمرة) وأنها من بلاد هوازن ثم قال : «وبها واد عظيم يصب فيها ويجوزها وهو وادي العقيق» .
4- وقَالَ دريد بن الصمّة وهو سيّد بني جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن :
لمن طلل بذات الخمس أمسى ... عفا بين (العقيق) فبطن ضرس
5- قال جؤيّة بن عائذ النصري - على الصحيح - من بني يربوع بن واثلة بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن :
ألا أيها الركب المخبون هل لكم ... بأهل العقيق والمناقب من علم
فقالوا عن أهل العقيق سألتنا ..أولي الخيل والأنعام والمجلس الفخم
فقلت بلى إن الفؤاد يهيجه ... تذكر أوطان المحبة والجذم
6- قال أبو وجزة السعدي (بني سعد بن بكر بن هوازن) وهو من علماء التابعين عاصر عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين :
يادار أسماء قد أقوت بأنشاج ... كالوشم أو كإمام الكاتب الهاجي
يا صاحبيّ انظرا هل تؤنسان لنا ... بين (العقيق) وأوطاس بأحداج
وهي أطول من ذلك .
7- وقال أبو وجزة السعدي أيضاً :
تباري بأجواز العقيق غُديّة ... على هاجرات حان منها نزولها
وقد كان ذنَب العقيق وآخره في ديار سليم , فديارهم مجاورة لتلك الديار , لذا ورد ذكره في أشعارهم قال عبّاس بن مرداس:
خفافيّة بطن العقيق مصيفها ... وتحتلّ فى البادين وجرة والعرفا
واليوم كلّه في بلاد هوازن , أعلاه عند برقا وأسفله عند الروقة , إلى قرب بلدة حاذة حيث الحدّ بينهم وبين بني عبد الله من مطير .
قلت : والذي يظهر لي أن (عقيق عشيرة) هو العقيق اليماني خلافاً لقول السكري وغيره , فهو يماني بنسبة للعقيق المعروف (عقيق المدينة) .
قال جرير:
إذا ما جعلت السيَّ بيني وبينها ... وحرة ليلى والعقيق اليمانيا
الثاني : من المواقع أو العقيق الثاني : (عقيق الطائف) .
قلت : الأخ صالح اخترع الكلام السابق ورسم هذه الخارطة عندما وجد قصة ذكرها السكري , ليس لها زمام ولا خطام , بل القصة تردُّ عليه ولا تخدمه في دعواه ولا تخدم تاريخ القبيلة , ولكنه لا يفهم ولا يميّز بين المدح والقدح , ذكر السُكري في شرحه (2/850) الوقعة التي حدثت بين بني قُريم وبني عُصيّة , بعقيق الطائف , فقال : «كان من حديث بني عصيه من سليم بن منصور , إنهم خرجوا يريدون بني عامر بن صعصعه , ثم إنصرفوا إلى الطائف فاشتروا منه زاداً وخمراً وهم قريب من خمسين أو ستين رجلاً , فذُكروا لبني قريم بن صاهله , وكانوا يطلبون فيهم وتراً , فخرج من بني قريم عصبه فتقدموا لرجلٍ من ثقيف , فجعلوا له على أن يخبرهم بالثنيّة التي يخرج فيها بنو عُصية من الطائف , ففعل وأخبرهم فخرجوا حتى قعدوا لهم بثنيهٍ أسفل من العقيق , حتى مروا عليهم , فلما أشرفوا بالثنيه ناداهم رجل من بني قريم فقال : من القوم ؟ قالوا : بنو عُصية . فمالت عليهم بنو قريم فكان ضرب ورمي فقتلوهم إلأ ثلاثة نفر أعجزوهم وعقروا خيولهم , فقال في ذلك شاعر بني سليم :
لعمرك ما خشينَ بني قريم ... غداة غدون من أهل العقيق
وقلنَ بنو عصيّة فاعرفونا ... وما إن ينتسبن إلى صديق
كأن الخيل إذ صفقت بعمرو...وإخوته تصفّق في حريق» . انتهى
فلو تأمل الأخ صالح كلام السكري السابق -على ما فيه- لعلم أن دعواه زور وباطل , ففي هذا النقل عدة أدلة :
1- أن قبيلة ثقيف الهوازنية هم أهل العقيق , وليس قبيلة هذيل .
2- أنه العقيق (عقيق الطائف) وليس العقيق (عقيق عشيرة) .
3- ذكر الثنايا وهي المناقب والريعان , وهذه في (عقيق الطائف) وليست في (عقيق عشيرة) .
وقد وجدت الأخ صالح ذكر هذه القصة في موضوع له عن (خيل هذيل) ! مع أني لا أعرف سبب إيراده لها , وهذا السبب لا أريد أن أعرفه , ولا يخصني ولا يهمني , ولكن الذي يهمني أني وجدته حرّف فيها تحريفاً قبيحاً , فقال :
ا/العقيق الممتد بين هجرة عشيرة وهجرة المحاني مصاقب لحرة الشيابين على مشارف سهل ركبه .
ب/يريدون (غزوا) بني عامر .
ج/إلأ ثلاثة منهم اعجزوهم (فرارا) .
فهذه الزيادات من كيس الأخ صالح , أولاً : من أين أتى صالح بأنه عقيق عشيرة ؟ وهو يقرأ الطائف , إلا أن يكون لا يميّز بينهما أو أنه يخترع من نفسه , ثانياً : من أين أتى صالح بأن سُليم كانت غازية هوازن وهي في الطائف بلاد هوازن ؟! هذا هراء , ثالثاً : من أين أتى صالح بأن السلميين فرّوا ؟! هذا افتراء .
بل هؤلاء الثلاثة أعجزوهم قتالاً , كيف يفرّ الرجل ثم يفتخر بالمعركة ؟! فقول السُلمي هنا ينفي الخشية فضلا عن الخوف ثم يذكر أنهم بيّنوا أنفسم ثم يذكر ترددهم بالخيل عليهم وبينهم فقال :
لعمرك ما خشينَ بني قريم ... غداة غدون من أهل العقيق
وقلنَ بنو عصيّة فاعرفونا ... وما إن ينتسبن إلى صديق
كأن الخيل إذ صفقت بعمرو... وإخوته تصفّق في حريق
وهذا يشكك في هذه القصة برمّتها , أضف إلى ذلك أن السُلمي إذا كان يريد الذهاب إلى بني عامر فلماذا يرجع إلى الطائف ؟!
وبهذا تعلم أن قول صالح : «وفيه يوم شهير من أيام العرب بين هذيل وسليم» , هو من التهاويل والجهل , دعك أخي صالح من أيام العرب , فإنك لن تجد أحداً يوافقك على هذه الدعاوى العريضة , بل لو قلت : «هو يوم شهير من أيام هذيل» فإنك لن تجد من يوافقك على ذلك أيضا , كيف يكون يوماً شهيراً من أيام هذيل ولم يذكره هذلي واحد ؟ بل الأبيات التي وردت فيه لشاعرٍ من سُليم يفتخر .
وبما أنك تريد يوماً من أيام العرب في (العقيق) , فإليك هذا اليوم , وهو صحيح لا كذب فيه ولا دجل ولا تزوير , كان الصمة الجشمي سيّد جُشم أبو دريد شاعراً وهو من زعماء هوازن وفرسانها , فقال في يوم من أيام الفجار , بعد استمر القتال من عكاظ إلى العقيق عقيق الطائف :
لاقت قريش غداة (العقيق) أمراً لها وجدته وبيلا
وجئنا إليهم كموج الآتيّ يعلو النجاد ويملأ المسيلا
وأعددت للحرب خيفانة ورمحاً طويلاً وسيفاً صقيلا
ومحكمة من دروع القيون تسمع للسيف فيها صليلا
ثالثاً : العقيق الثالث الذي ذكره هو عقيق في تهامة ولبّس على الناس , فقام بتصوير البيت الأول وحذف بقية الأبيات التي تردّ عليه , فهذه الأبيات :
أغير إذا (العقيق) أغير فيه ...وبعض القوم ليس له نكير
وقال أبو أمامة يالبكر ... فقلت ومرخة دعوى كبير
فلمّا أن هبطنا بطن(لِيثٍ)...وقد تبدوا لذي الرأي الأمور
فـ(العقيق) هذا في تهامة جهة (الليث) , وليس كما أوهم الناس أنه عقيق عشيرة ، غفر الله لنا وله .
وفي تهامة أعقة كثيرة :
1- قال عاتق في معجمه (1177) : «العقيق واد غرب مكة من روافده الخمرة والخميرة , فيه مزارع حبحب للعرامطة من الأشراف , ثم يدفع في الساحل غير بعيد عن مصب مرّ الظهران جنوبا».
2- قال أبو صخر الهذلي:
ألمّ خيال طارقٌ متأوِّب ... لأم حكيم بعدما نمتُ موصبُ
ومن دونها قاع النقيع فأسقف ... فبطن (العقيق) فالخبيت فعنبب
وأهلي بواد من تهامة غائر ... بأسفل هضيمة أراك وتنضُبُ
3- قال السّكري في قول أبي خراش الهذلي:
دعا قومه، لمّا استحلّ حرامه، ... ومن دونهم أرض الأعقّة والرّمل
الأعقّة: رمل، وحرامه: جواره وعهده، وقال ابن حبيب: الأعقّة جمع عقيق بمكة،
ومما قيل في عقيق بني عقيل
1- القحيف بن حميّر العقيلي حيث قال:
أأمّ ابن إدريس ألم يأتك الذي ... صبحنا ابن إدريس به فتقطّرا؟
فليتك تحت الخافقين ترينه ... وقد جعلت درعا عليها ومغفرا
يريد العقيق ابن المهير ورهطه.. ودون العقيق الموت وردا وأحمر
وكيف تريدون العقيق ودونه ... بنو المحصنات اللابسات السّنّورا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق