بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
قام علماء الإسلام -رحمهم الله تعالى- من المتقدمين والمتأخرين بتأليف معاجم اللغة العربية ، فكان لهم الفضل على أهل الإسلام في تفسير وشرح معاني ألفاظ الكتاب والسنة والأشعار ، بل واللغة عموماً ، وأصبحت هذه المعاجم اللغوية هي المرجع الذي يرجع إليه العالِمُ والمتعلم ، ومع كل هذه الجهود المباركة ، إلاّ أن الكمال لله ولكتابه ، كما قال الله سبحانه وتعالى : (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) ، فوقع فيها بعض النقص من الفوائت ، أو الأوهام والأخطاء والتصحيف ، ثم قام من سدّ هذا الخلل من السابقين والمتأخرين من أهل العلم ، وبيّن بالحجة والدليل والبرهان وجه الصواب ، ولا زال أهل العلم المعاصرون يسدّون هذا الخلل ويصححون هذا الخطأ ، جزاهم الله خيراً أجمعين ، وجمعنا الله بهم في جنات النعيم ، إخواناً على سرر متقابلين .
قلتُ : فمن ذلك : وصف «العيوف» من الإبل ، وهي عند البادية الذين أدركتهم في عالية نجد ، هي التي ترد الماء لتشرب فإذا دنت منه ووجدته كدراً ورنْقاً ، عافته وتركته تقذّراً ، فـ«العيوف» من الإبل هي التي لا تشرب على القذى ، وهذا الذي تشهد له أشعار العرب المتقدمين ، وأشعارهم هي مرجع اللغويين وحجتهم .
ولكن أصحاب المعاجم قد اختصروا الوصف اختصارا مخلاً ، فتغيّر المعنى :
قال في الصحاح (2/9) : «والعَيوفُ من الإبل: الذي يشمّ الماء فيدعه وهو عطشان».
وكذا قال جلّ أصحاب المعاجم ، كما في :
العباب (1/484) ، القاموس المحيط (1086) ، والتاج (24/197) ، التهذيب (3/147) ، العين (2/260) ، اللسان (9/260) ، الأساس (328) .
قال في التاج (2/25) : «عافت دوابهم الماء ، فلم تشربه قاله ابن السكيت» .
وقد خالف صاحب المحكم ، ونقل كلامه صاحب اللسان ، فذكر وصفاً وقيداً يفسد المعنى ويزيد الطين بلّة ، وهو قوله : [وهو صاف] .
فقال ابن سيده في المحكم (257) : «والعيوف من الإبل الذي يشم الماء [وهو صاف] فيدعه وهو عطشان» .
وهذا خلاف الصواب ، فـ(العيوف) هي التي لا تشرب على القذى ، ولا تشربه كدراً ورنقا .
فمن الأدلة : الشعر :
1- قال جميل العذري :
وإني للماءِ المُخالِطِ للقَذى
إذا كَثُرَتْ وُرّادُهُ ، (لَعَيوفُ)
2- قال في الأساس (328) :
وإني لشرّاب المياه إذا صفت
وإنّي إذا كدّرتها (لعيوف)
3- قال في الجيم (1/129) : «وقال أبو زياد: المطروفة من النساء: الناشز. وأنشد أبو زياد لامراة من بني عمرو بن كلاب كان تزوجها رجل من بني نمير :
لقد تَشرَبُ (العَيْفا) عَلَى الشِّرْبِ بالقذَى
فَلا الماءُ مَتْرُوكٌ ولا الشُرْبُ ناصِحُ
فهلْ فِي ذُرَى (دَمْخٍ) و(ثَهْلانَ) مَذْهَبٌ
لِمَطرُوفَةٍ قَدْ مَسَّها القَيْدُ طامِحُ
إِذا هبَّتِ الريحُ الجَنُوبُ وَجَدْتُها
تَهِيجُ جَوًى بَيْنَ الضُلُوع الجوانِح» .
قلت : بلاد أهلها بني عمرو بن كلاب في (دمخ) جنوب (ثهلان) بلاد بني نمير قوم زوجها ، فكل ما هبت ريح الجنوب زادت حنينا لبلاد أهلها .
4- قال ابن طيفور في بلاغات النساء (96) : «قالت امرأة من بني نهشل :
وقد تشرب الماء (العيوف) على القذى
وفي النفس منها علة ما تصيبها» .
5- قال ابن أبي ربيعة:
فسافَت وما عافت وما صَدَّ شربها
عن الرِّيِّ مطروقٌ من الماء أكدرُ
قلت : أي التي تعاف الماء المطروق والأكدر هي العيوف .
6- ذكر الخالديان في الأشباه (1/124) : «قال عبد الله بن موسى:
ألم تعلَمِي يا ضلَّ رأيُكِ أنَّني
لِوصْلِ الغواني مُتلف ومفيدُ
وإنِّي لمطروق المياه ، ورَنْقِها
عيوفٌ ، وللعَذْب الفُرات وَرودُ» .
ومن الأدلة : أقوال العلماء
1-ابن الأعرابي
قال في التهذيب (13/182) :«وأنشدني أبو بكر الإياديّ بيت الأعشى :
ولَبُونِ مِعْزابٍ أَصبْتَ فأَصبحتْ
غَرْثَى و(آزبةٍ) قَضبتَ عِقالَها
ورواه أبو العباس عن ابن الأعرابي : ( وآزية ) بالياء ، وقال هي : العَيُوفُ والقَذُور كأنها تَشرَب من الإزاء وهو مَصَبُّ الدَّلْو» .
قلت : تشرب من مصب الدلو لأنه صاف لم يكدر .
قال في التاج (2/25) : «قال الأعشى :
ولبون معزاب أصبت فأصبحت
غرثى وآزبة قضبت عقالها
قال الليث : هكذا رواه أبو بكر الإيادي بالباء الموحدة ، قال : وهي التي تعاف الماء وترفع رأسها ، ورواه ابن الأعرابي بالياء التحتية ، وقال : هي العيوف القذور ، وكأنها تشرب من الإزاء وهو مصب الدلو» .
قال في اللسان (1/212) : «وآزية بالياءِ قال وهي العَيُوفُ القَذُور كأَنها تَشْرَبُ من الإِزاءِ وهو مَصَبُّ الدَّلْو» .
2- ابن فارس
قال في معجم المقاييس لابن فارس (4/197) : «والعُيوف من الإبل: الذي يَشَمّ الماءَ وهو عطشانُ فيدعُه، وذلك لأنّه يتكرّهُه. وربما جُهِد فشرِبَه. قال ابن [أبي] ربيعة:
فسافَت وما عافت وما صَدَّ شربها
عن الرِّيِّ مطروقٌ من الماء أكدرُ» .
وقد قيل :
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى
ظمئتَ وأيُّ الناسِ تصفو مشاربُه
وكتب / حمود بن مطلق الدغيلبي
مكة المكرمة حرسها الله
ليلة الخميس 20/3/1440 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
(إِلاهَة) قارةٌ كانت ( قديماً ) في بلاد قبيلة كلب القضاعية ولا تزال إلى اليوم معروفة باسمها ، ولكنهم ينطقونها الان قارة (لاهة) بحذف الهمزة ، وهي في السماوة على الحدود السعودية العراقية اليوم ، في أعالي (أوداة كلب) المعروفة اليوم بالوديان (وديان عنزة حاليًا) ، و(لاهة) قارَة تقع إلى الشرق الشمالي من مدينة طريف على بعد 110 كيلا ، يبلغ ارتفاعها 920 مترًا تقريبا ، وهي من الأعلام الجغرافية البارزة في الحماد ، بل هي أعلى قمة في تلك الناحية على الحدود السعودية العراقية .
وهذا موقعها على قوقل ماب :
https://www.google.com/maps/place/31%C2%B057'27.1%22N+39%C2%B042'55.9%22E/@31.9575235,39.7177147,649m/data=!3m2!1e3!4b1!4m6!3m5!1s0x0:0x0!7e2!8m2!3d31.9575195!4d39.715526
واسم (إِلاهَة) اسم قديم جاهلي قبل الإسلام وبعده .
قال أفنون التغلبي وهو جاهلي :
أَلاَ لَسْتُ في شَيْءٍ فَرُوحاً مُعاوِيَا
ولاَ المُشْفِقاتُ إِذْ تَبِعْنَ الحَوازِيَا
فَلاَ خَيْرَ فِيما يَكْذِبُ المَرْءُ نَفْسَهُ
وتِقْوَالِهِ لِلشَّيْءِ: يَا لَيْتَ ذَا لِيَا
فَطَأْ مُعْرِضاً، إِنَّ الحُتُوفَ كَثِيرَةٌ
وإِنَّكَ لا تُبْقِي بِمالِكَ باقِيَا
لَعمْرُكَ ما يَدْرِي امْرُؤُ كيْفَ يَتَّقي
إِذَا هُوَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اللهُ وَاقِيَا
كَفَى حَزناً أَنْ يَرْحَلَ الحَيُّ غُدْوَةً
وأُصْبحَ فِي أَعْلَي (إِلاَهَةَ) ثاوِيَا
والقصيدة ذكرها المُفَضَّل الضَّبِيّ المتوفى سنة ( 178هـ) في المفضليات (47)
وهي في شرح ابن الأنباري للمفضليات (522) ، وشرح التبريزي للمفضليات (3/1154) .
قال عدي بن الرقاع العاملي في قصيدته الطويلة التي مدح بها الوليد بن عبد الملك :
بِغُرَابٍ إلَى الـ(إلاهَةِ) حَتَّى
أصحبت أمهاتها الأطلاء
ودنا النجم يستقيل وحارت
كل يوم ظهيرةٌ شهباء
كُلَّمَا رَدَّنَا شَطاً عَنْ هَوَاهَا
شطنت دار ميعة حقباء
فترددن بـ(السماوة) حتى
كَذّبَتْهُنَّ غُدْرُهَا وَالنِّهَاءُ
والـ(إلاهَةِ) و (السماوة) في بلاد قبيلة كلب .
ديوان عدي بن الرقاع العاملي (55) .
وقد أكثر من ذكرها الشعراء المتأخرون .
قال عبد الرحمن السديري :
بين السمار و بين حزم الجلاميد
جنوبه الامحاص (لاهه) تحده
وقد بنا فيه الاخوان على عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله مسجداً ، كما قال منصور حواس الخضع الرويلي وهو معاصر :
هذيك (لاهه) رجمها طب الأحزان
هني ناسٍ(ن) دايمٍ(ن) يرقبونه
في مرقبه مسجد على دورالأخوان
فرض الظهر والعصر به تجمعونه
قال ابن قتيبة (213 هـ- 276 هـ) في الشعر والشعراء (1/85) : «أفنون واسمه صريم بن معشرٍ، هو من بني تغلب وسمي أفنون ببيتٍ قاله. وقال له كاهن في الجاهلية: إنك تموت بثينةٍ يقال لها إلاهة، وإنه خرج مع ركبٍ فضلوا الطريق في ليلهم، وأصبحوا بمكان فسألوا عنه، فقالوا: هذه (إلاهة) فنزلوا ولم ينزل الأفنون، وخلي ناقته ترعى، فعلقت مشفرها أفعى، فأمالت الناقة رأسها نحو ساقه، فاحتكت بها، فنهشته الأفعى، فرمى بنفسه! وقال لرفيقٍ له يقاله معاوية:
لَسْتُ على شيءٍ فرُوحاً مُعاوِياً
ولا المُشْفقاتُ إِذْ تَبِعْنَ الحَوَازِيَا
لَعمْرُكَ ما يُدْرِى امْرُءُ كَيْفَ يَتَّقِى
إِذَا هو لم يَجْعَلْ له اللهُ وَاقِيَا
فطَأْ مُعْرِضاً إِنَّ الحُتُوفَ كَثيرَةٌ
وإنَّك لا تُبْقِى بمالكَ باقيَا
كَفى حَزَناً أنْ يَرْحَلَ الرَّكْبُ غادِياً
وأُتْرَكَ في أَعْلَى (إِلاَهَةَ) ثاوِيَا
ومات من ساعته، فقبره هناك.
وهو القائل:
لَعَمْرُكَ ما عَمْرُو بنُ هنْدٍ إِذا دَعَا
لتَخْدُمَ أُمِّى أُمَّه بمُوَفَّقِ». ا.هـ .
قال ابن دريد المتوفى سنة (321هـ) في الجمهرة (2/59) : «وإلاهة: موضع معروف». ا.هـ .
قال ابن عبد ربه الأندلسي المتوفى سنة (328 هـ) في العقد الفريد (1/347) : «وقال رجُل من بني تَغْلب يقال له أفْنُون، وهو لَقبه، واسمه صُرَيم بن مَعْشر بن ذُهْل بن تَيْم بن عمرو بن مالك بن حَبيب بن عمرو بن عُثمان بن تَغْلِب، ولَقِيَ كاهناً في الجاهلية، فقال له: إنك تموت بمكان يقال له إلاهَة. فمكث ما شاء الله، ثم سافر في رَكْب من قومه إلى الشام فأتَوْها، ثم انصرفوا فضلّوا الطَّريق، فمالوا لرجل: كيف نَأخذ؟ فقال: سِيرُوا حتى إذا كنتم بمكان كذا وكذا ظَهَر لكم الطريق ورَأيتم (إلاهة) - وإلاهة قارة بالسّماوة - فلما أتَوْها نزل أصحابُه وأبى أن يَنْزل، فبينما ناقتُه تَرْتعى وهو راكبها إذ أخَذتْ بمشْفر ناقته حَيَّة، فاحتكت الناقةُ بمشْفرِها فلدغتْ ساقه؛ فقال لأخيه وكان معه، واسمَه مُعاوية: احفر لي فإني ميّت، ثَم تغنِّى قبل أن يموت يبكى نفسه:
فلستُ على شيء فُروحَنْ مُعاويا
ولا المُشْفِقاتُ إذ تَبِعْنَ الحوَازيا
ولا خَيْرَ فيما يَكْذِب المرْءُ نفسَه
وتَقْوَالِه للشيء يا ليت ذا ليا
وإن أعْجَبَتك الدهرَ حال من آمرىء
فَدَعْه ووَاكلْ حاله واللّياليا
يَرُحن عليه أو يُغَيِّرْن ما به
وإنْ لم يَكُنْ في خَوْفِه العَيْث وإنيا
فطأ مُعْرضاً إنِّ الحُتُوف كثيرةٌ
وأنَّك لا تبْقى بنَفْسِك باقيا
لعَمْرك ما يَدْري آمرؤ كيف يَتَّقىِ
إذا هو لم يَجْعل له الله وَاقيا
كفي حَزناً أن يَرحل الرَّكب غُدْوَةَ
وأنزِلَ في أعلَى (إِلاَهَةَ) ثاويا
قال: فمات فَدَفَنوه بها». ا.هـ .
قال أبو إبراهيم الفارابي المتوفى سنة (350هـ) في ديوان الأدب : «وإِلاهَة: اسمُ موضعٍ» . ا.هـ .
قال الجوهري المتوفى سنة (393 هـ) في الصحاح (6/224) : «وإلاهة: اسم موضع بالجزيرة. وقال :
كفى حزنا أن يرحل الركب غدوة
وأصبح في عليا إلاهة ثاويا
وكان قد نهشته حية». ا.هـ .
قال الوزير المغربي (370 - 418 هـ) في الإيناس بعلم الأنساب (12) : «منهم: المُلَّقب أُفننٌ، وهو صُريم بن مَعشَر بن ذُهل بن تيم ابن عَمرو بن مالك بن حُبيب القائل:
أَلا لَسْتُ في شَيء فروحاً مُعَاوِيَا
ولا المُشْفِقاتُ إِذْ تَبِعْنَ الحوازيَا
فَطَأَ مُعْرِضًا إِنَّ الحتُوفَ كثيرةٌ
وإِنك لا تُبْقِي بِنَفسك باقيَا
ولاَ خَيْرَ فيما يكذبُ المرءُ نفْسَه
وتَقْوالهِ للشَّيء يا ليت ذالِيَا
لعمرك ما يَدرِي امرؤُ كيف يُتَّقي
إِذا هو لم يَجْعَل له اللهُ واقيا
كفى حَزَنًا أَن يَرْحَل الرَّكْبُ غُدوةٌ
وأُصْبِحَ في أَعلى (إِلاهَةَ) ثاويَا». ا.هـ .
قال أبو عبيد البكري المتوفى سنة (487هـ) في معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع (1/186) : «إلاهة بكسر أوله على وزن فعالة قارة بالسماوة من دار كلب وهي بين ديار تغلب والشام قال الفراء إلاهة لما جعلوه اسما للبقعة زادوا الهاء وكان جبل يسمى أسود فقيل أسودة كذلك قيل إلاهة على غير أنثى جعل مصدرا وعلى هذا يقرأ (ويذرك وإلهتك) قال أفنون التغلبي :
لعمرك ما يدري امرؤ كيف يتقى
إذا هو لم يجعل له الله واقيا
كفى حزنا أن يرحل القوم غدوة
وأترك في أعلى (إِلاَهَةَ) ثاويا
وكان أفنون قد لقي كاهنا في الجاهلية فقال له إنك تموت بموضع يقال له (إلاهة) فمكث ما شاء الله ثم إنه سافر في ركب إلى الشام فلما انصرفوا ضلوا الطريق فقال له بعض من استهدوه سيروا فإذا أتيتم مكان كذا وكذا حبالكم الطريق ورأيتم (إلاهة) ، فلما أتوها نزل أصحابه وأبى أن ينزل معهم فبينا ناقته ترتعى إذ لدغتها أفعى في مشفرها فاحتكت بساقه والأفعى متعلقة بمشفرها فلدغته في ساقه فقال لأخ كان معه احفر لي قبرا فإني ميت وقال هذا الشعر وهي أبيات» . ا.هـ .
وقال أبو القاسم الزمخشري المتوفى سنة (538 هـ) في المستقصى في أمثال العرب (2/181) : «(لمَ رَبَض الْعَيْرُ إذاً) : وأصله أن صريم بن معشر التغلبى الملقب بأفنون أخبره بعض الكهان بأنه يموت بمكان يقال له (إلاهة) فأتى على ذلك ما شاء الله ثم خرج فى ناس من قومه يريدون الشام فضلوا الطريق فدلهم رجل فقال لهم خذوا على مكان كذا وكذا حتى إذا استقبلتكم قارة يقال لها (إلاهة) فاجعلوها على اليسار فانكم على الطريق فلما سمع أفنون (بإلاهة) تذكر قول الكاهن فلما اتوا (إلاهة) نزل القوم ليلا فلم ينزل أفنون عن حماره فربض الحمار فلدغته أفعى فجزع أفنون وقال الموت والله ، فقال له القوم لا بأس عليك يا صريم فقال : فلمَ ربضْ العيرُ إذا ؟! فأرسلها مثلا ومات» . ا.هـ .
وقال ياقوت الحموي (574 - 626 هـ) في معجم البلدان (1/243) : «الـ(إلاهة) حدث المفضل بن سلمة قال كان أفنون واسمه صريم بن معشر بن ذهل بن تيم بن عمرو بن تغلب سأل كاهنا عن موته فأخبره أنه يموت بمكان يقال له الـ(إلاهة) وكان أفنون قد سار في رهط إلى الشام فأتوها ثم انصرفوا فضلوا الطريق فاستقبلهم رجل فسألوه عن طريقهم فقال خذوا كذا وكذا فإذا عنت لكم الـ(إلاهة) وهي قارة بالسماوة وضح لكم الطريق فلما سمع أفنون ذكر الـ(إلاهة) تطيّر وقال لأصحابه : إني ميت ، قالوا : ما عليك باس ، قال : لست بارحا ، فنهش حماره ونهق فسقط ، فقال : إني ميت ، قالوا : ما عليك باس ، قال : ولم ركض (ربض) الحمار ؟ فأرسلها مثلا ، ثم قال يرثي نفسه وهو يجود بها :
ألا لست في شيء فروحا معاويا
ولا المشفقات إذ تبعن الحوازيا
فلا خير فيما يكذب المرء نفسه
وتقواله للشيء يا ليت ذا ليا
لعمرك ما يدري امرؤ كيف يتقي
إذا هو لم يجعل له الله واقيا
كفى حزنا أن يرحل الركب غدوة
وأصبح في عليا (إلاهة) ثاويا
وقال عدي بن الرقاع العاملي :
كلما ردنا شطا عن هواها
شطنت ذات معية حقباء
بغراب إلى الـ(إلاهة) حتى
تبعت أمهاتها الأطلاء». ا.هـ .
وقال أبو الحسن الآمدي (551 هـ - 631 هـ) في المؤتلف و المختلف في أسماء الشعراء (68) : «ومنهم ظالم بن معشر وهو أفنون التغلبي أحد شعراء بني تغلب المشهورين وهو القائل
لعمرك ما يدري الفتى كيف يتقي
إذا لم يجعل له الله واقياً
كفى حزناً أن يرحل الركب غدوة
وأترك في عليا (إلاهة) ثاويا
وكانت أفعى لسعته في هذا الموضع فمات. وقيل له أفنون لقوله
فبينما الود يا مضمون مضمونا
أيامنا ان للشبان أفنونا». ا.هـ .
وقال عبد القادر بن عمر البغدادي المتوفى سنة (1093 هـ) في خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب (11/159) : «أفنون : لقب له لقوله من قطعة : البسيط ( منّيتنا الودّ يا مضنون مضنونا ** أيّامنا إنّ للشّبّان أفنونا ) واسمه كما قال أبو عمرو في أشعار تغلب وابن الأنباري في شرح المفضليات وابن قتيبة في كتاب الشعراء : صريم بن معشر بن ذهل بن تيم بن مالك بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب وقالوا : كان من خبره أنه لقي كاهناً فسأله عن موته فقال : تموت بمكان يقال له : (إلاهة) بكسر الهمزة ، فمكث ما شاء الله ثم سار إلى الشام في تجارة ثم رجع في ركب من بني تغلب فضلّوا الطريق فلقوا إنساناً فاستخبروه فنعت لهم فقال في نعته : إذا رأيتم (إلاهة) حيّ لكم الطريق و(إلاهة) قارة بالسّماوة فلما أتوها نزل أصحابه وقالوا له : انزل . فقال أفنون : والله لا أنزل فجعلت ناقته ترتعي عرفجاً فلدغتها أفعى في مشفرها فاحتكّت بساقه والحيّة متعلقة بمشفرها فلدغته في ساقه فقال لأخ معه : احفر لي قبراً فإنّي ميّت ثم رفع صوته بأبيات منها :
لعمرك ما يدري امرؤ كيف يتّقي
إذا هو لم يجعل له الله واقيا
كفى حزناً أن يرحل الحيّ غدوةً
وأصبح في أعلى (الإلهة) ثاويا ». ا.هـ .