26‏/01‏/2018

الردّ على صالح بن دخيل الله في موضع (الأُمَيْلح)

                                              (الأُمَيْلح) 





قال صالح : «الأميلح وادٍ بنجد (لبنو) ربيعة بن زيد بن مناه من تميم وقع به يوم شهير لهذيل ولم أجد أميلح غيره» ثم قال : «ويوم الامليح ذكره المتنخل اللحياني الهذلي وذكر فيه من غابوا من قومه واثناء على (بنو) كبير بن هند من قومه» .



قلتُ : حقيقة إني لا أريد أن أتكلم هنا وفي هذه الردود ومع الأخ صالح في باب (الأنساب) أو باب (التاريخ) فهو في هذين البابين أشدّ جهلاً وتخبطاً منه في باب البلدانيات والمواقع , وتتبعه في ذلك والرد عليه هو مضيعة للوقت , ولو أنه في جهالاته البلدانية لم يكن متعدياً لتركته ولم أردّ عليه بحرف واحد , ولكنه في هذه المشاركة جمع هذه الأبواب كلها , فسأشير إشارة مختصرة , قوله : «الأميلح وادٍ بنجد (لبنو) ربيعة بن زيد بن مناه من تميم وقع به يوم شهير لهذيل ولم أجد أميلح غيره» قلت :



أولا : بل الصحيح أنه (زيد مناة) وليس (زيد بن مناة ) فـ(زيد مناة) اسم مركّب .



ثانياً : زيد مناة ليس له ابن اسمه ربيعة .



ثالثاً : ليس في تميم ربيعة بن زيد , والربائع في تميم معروفة , ذكر ابن حبيب (المتوفى: 245هـ) في «المحبر» أن الربائع في تميم أربع , فقال : «الربائع في تميم (ربيعة الجوع) بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، و (ربيعة بن حنظلة) بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، و (ربيعة بن مالك) بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، كل واحد منهم عم صاحبه، و (ربيعة بن كعب) بن سعد بن زيد مناة ، وهم الحباق» , وجعلها ابن قتيبة ثلاث فقال ابن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276هـ) في «المعارف» فقال : «(ربيعة الكبرى) وهو ربيعة بن مالك بن زيد مناة ، ويلقّب (ربيعة الجوع) , و(ربيعة الوسطى) وهو ربيعة بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة , و(ربيعة الصّغرى) وهو ربيعة بن مالك بن حنظلة , وكل واحد منهم عمّ الآخر» .



رابعاً : (الأميلح) الذي في نجد ليس وادياً كما يقول صالح , بل هو ماء لبني ربيعة الجوع من تميم , قال التبريزي (المتوفى: 502هـ) في «شرح ديوان الحماسة» : «الأميلح مَاء لبني ربيعَة الْجُوع» وقال ياقوت الحموي (المتوفى: 626هـ) في «معجم البلدان» : «الأُمَيْلِحُ : تصغير الأملح وقد تقدّم: ماء لبني ربيعة الجوع»

قال زياد بن منقذ العدوي أحد بني العدوّية من بني عمومتهم من تميم :



(بل لَيْت شعري مَتى أغدو تعارضني ... جرداء سابحةٌ أَو سابح قدم)

(نَحْو (الأميلح) من (سمنان) مبتكراً ... بفتيةٍ فيهم المرّار وَالْحكم)



خامساً : لم يقع في (الأميلح) يوماً لهذيل ولم يكن (الأميلح) لهذيل يوماً , بل ولا يعرف الأخ صالح أين مكانه من أرض الله , فـ(الأميلح) شعب يسيل من صفحة جبل (طويق) الشماليّة بين بلدة (الزلفي) و (الغاط) , واسمه الآن (مُلَيْح) وبه قرية ونخل ومزارع وهو اليوم من ديار السقايين من قبيلة مطير . راجع «معجم اليمامة» لابن خميس (1/394) , وراجع كتاب «ما تقارب سماعه وتباينت أمكنته وبقاعه» (29) لابن بليهد , أمّا (سمنان) التي قرنها زياد بن منقذ العدوي بـ(الأميلح) في قوله : [(نَحْو (الأميلح) من (سمنان) مبتكراً] , فهي لا زالت معروفة لم يتغيّر اسمها تقع شمال (الأميلح) أي (مُلَيْح) بـ(20) كيلاً , وقد دخلت اليوم في توسع مدينة (الزلفي) .



سادساً : قوله لم أجد أميلح غير الذي بنجد مردود , ففي الجنوب جبل (الأميلح) ذكره الهمداني صفة جزيرة العرب (259) , وفي أسافل ينبع (الأميلح) ذكره البكري في معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع (3/972) , وفي جهة الشام واد (الأميلح) ذكره المقريزي في المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (4/429) .



سابعاً : المبالغة في ذكره للوقائع والحروب والتي غالباً تكون إغارة أفراد , وهي ما تسمّى بحرب الصعاليك (الحنشل) , فيجعلها صالح من الحروب الشهيرة , وهي لم يُرق فيها من الدماء قطرة , بل أحياناً يأخذه الحماس فيقول يوم من أيام العرب الشهيرة , ولو رجع لمعنى قولهم (أيام العرب) لما تكلّم بشيء من ذلك , فهذه المبالغات لا تخدم التاريخ عامة ولا تخدم تاريخ القبيلة خاصة , أمّا قوله (يوم شهير) غير صحيح فلم يذكره أحدٌ إلا المتنخل وهو يهجو قومه الذين فرّوا عن ابنه حجاج وقُتل ولم يدفنوه , قال البكري (المتوفى: 487 هـ) «التنبيه على أوهام أبي علي في أماليه» (81) : «والبيت الذي أنشده من شعر المتنخل يهجو بها ناساً من قومه كانوا مع ابنه حجَّاج يوم قُتل. وقبل البيت:



لا يُنْسِئُ اللهُ مِنّا مَعشراً شهدوا ... يوم الأُمَيلِح لا غابوا ولا جَرَحُوا

لا غيَّبُوا شِلْوَ حجَّاجٍ ولا شَهِدُوا ... حَمَّ القتالِ فلا تسألْ بما أفتضحوا

لكن كبيرُ بن هندٍ يوم ذلكم ... فُتْخُ الشمائل في أيمانهم رَوَحُ

عَقَّوْا بسَهم فلم يشعرُ به أحدٌ ... ثم أستفاءوا وقالوا حَبَّذَا الوَضَحُ



قوله: لا يُنسئ الله، أي لا يؤخر الله موتهم. وشلو كل شيء: بقيته. وحمُّ القتال، وحمُّ كلِّ شيء: معظمه. وكبير بن هندٍ قبيلة من هذيل. واستفاءوا: رجعوا عما كانوا عليه. وقالوا: حبذا الوضح، أي حبذا الإبل والغنم نأخذها في الدية: ويعني بالوضح: اللبن لبياضه» .

 وقوله : «وذكر فيه من غابوا من قومه» , غير صحيح أيضاً , قال ابن سيده [ت: 458هـ] في «المحكم والمحيط الأعظم» (3/382) : «والأُمَيْلِحُ: مَوضِع فِي بِلاد هُذَيْل كَانَت بِهِ وقْعَة، قَالَ المتنخل:



لا يَنْسأ اللهُ مِنَّا معشراً شهِدوا ... يومَ الأُمَيْلحِ لا غَابُوا وَلا جَرَحوا



يَقُول: لم يتغيبوا فنكفي أَن يؤسروا أَو يقتلُوا، وَلا جرحوا ، أَي وَلا قَاتلُوا إِذْ كَانُوا مَعنا» .

 وقال الإمام الشافعي (المتوفى: 204هـ) في «الأم» (4/227) : «يعير نفرا من قومه انهزموا عن رجل من أهله، في وقعة، فقتل :



لا ينسأ الله منا معشرا: شهدوا ... يوم الأميلح، لا غابوا ، ولا جرحوا» .



ثامناً : ياقوت كان يتكلم عن ماء (الأميلح) الذي بنجد , والبكري كان يتكلم وادي (الأميلح) الذي في تهامة بلاد هذيل , فلم يميّز الأخ صالح بين الوادي والماء ولا بين نجد وتهامة .

 قال ياقوت الحموي (المتوفى: 626هـ) في «معجم البلدان» : «الأُمَيْلِحُ : تصغير الأملح وقد تقدّم: ماء لبني ربيعة الجوع، قال زياد بن منقذ أخو المرّار من القصيدة الحماسية:

بل ليت شعري متى أغدو تعارضني ... جرداء سابحة، أو سابح قدم

نحو الأميلح أو سمنان متبكرا، ... بفتية فيهم المرّار والحكم؟!

المرار والحكم: أخواه.» .

 قال البكري (المتوفى: 487هـ) في «معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع» : «الأميلح بضمّ أوّله، وبالحاء المهملة، كأنه تصغير أملح: موضع، قال المتنخّل:

لا ينسئ الله منّا معشرا شهدوا ... يوم الأميلح لا غابوا ولا جرحوا» .



تاسعاً : دعوى الإحاطة والقول بعدم وجود (الأميلح) إلا في بلاد بني ربيعة في نجد هذا جهل ببلاد هذيل والحجاز , وجهل ببلاد العرب الأخرى , فكما مرّ معنا في المواضع السابقة , والتي قال عنها الأخ صالح هي في نجد ولا توجد في الحجاز , وهي بجواره في مكة ويراها بعينه ولا يعرفها , ولو قرأ الأخ صالح باقي الأبيات والتي صوّرها وأرفقها مع الكلام السابق , لعلم فساد قوله واتضح له مكان (الأميلح) , قال الشاعر :



لا يَنْسَإِ اللهُ منّا معشرا شَهدوا ... يوم (الأُمَيْلِحِ) لا غابوا ولا جَرَحوا

كانوا نَعائمَ حَفّانٍ منفَّرةً ... مُعْطَ الحُلوقِ إذا ما أدرِكوا طَفَحوا

لا غَيَّبوا شِلْوَ حَجاّجٍ ولا شَهِدوا ... جَمَّ القتالِ فلا تَسألْ بما افتَضَحوا

عَقُّوا بسهمٍ فلم يشعر به أحدٌ ... ثم استفاءوا وقالوا حَبّذا الوَضَحُ

لكن كبيرُ بنُ هِندٍ يومَ ذلكِمُ ... فُتْخُ الشّمائل في أَيمانِهمْ رَوَحُ

تعلو السيوفُ بأيديهم جَماجِمَهمْ ... كما يفلَّق مَروُ الأَمْعَزِ الصَّرَحُ

لا يُسلمِون قَريحًا كانْ وَسْطَهمُ ... يوم اللِّقاء ولا يُشْوُونَ مَن قَرَحوا

كأنّهمْ بجُنُوبِ (المَبْرَكَين) ضُحًى ... ضأْنٌ تجزَّر في آباطِها الوَذَحُ



قلتُ : (المَبْرَكَين) هو تثنيّة (المَبْرَك) كعادة العرب في تثنية وجمع المكان بغيره , و(المَبْرَك) مكان معروف شرق مكة , قال عاتق البلادي : «(المَبْرَك) ريع في صدر وادي عُرنة , يفصل بين جبلي لبن الأعلى ولأسفل , ويصل بين الشرائع والبجيدي , وهما قريتان على قرابة (36) كيلا شرق مكة» .



عاشراً : أن (الأُمَيْلح) الذي بجوار (المَبْرَك) والذي لم يعرفه صالح لا زال معروفاً بهذا الاسم , وهذا ينقض كلام الأخ صالح السابق حرفاً حرفاً , ويدلّ على أنه لا يعرف الأماكن التى بين يديه وأمام عينيه , فلا غرابة إذاً من تخبطه وجهله في الأماكن البعيدة :

قال محمد بن علي بن هلال الحتيرشي الهذلي في مجلة العرب (20/560) : «(الأُمَيْلح) حزم الأميلح وادٍ كبير شمال شرق مكة , جنوب وادي الصدر , ويُعدّ منه , يصب في الشرائع يسكنه الحتارشة من هذيل» .



وقال أيضاً في مقال في مجلة العرب (من بلاد هذيل) العرب (18/1090) : «الأميلح : يسمى حزم الأميلح شمال شرق مكة , يصب في خريق الأصادير» .



ومما يجدر التنبيه عليه حول هذه الأبيات قول عبد القادر البغدادي (المتوفى : 1093هـ) في «خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب» (2/10) : «ومن شعر المتنخّل الهذليّ، أنشده أبو عبيد البكريّ في ( شرح نوادر القالي ) وليس موجودا في رواية السكّريّ:

لا ينسئ الله منّا معشرا شهدوا ... يوم الأميلح لا عاشوا ولا مرحوا

عقّوا بسهم فلم يشعر له أحد ... ثمّ استفاؤوا وقالوا حبذا الوضح

قال البكريّ: هذا من شعر يهجو به ناسا من قومه كانوا مع أبيه حجّاجا يوم قتل. وقوله: ( لا ينسئ الله) ،أي: لا يؤخر الله موتهم؛ من الإنساء وهو التأخير».

هذا العالم اللغوي الحجة ينفي وجودها في رواية السكري , وهي موجودة في النسخة التي بين أيدينا , فهل هذا من تصرّف المحقق عبد الستار ؟ فإنه لفّق بين الروايات والنسخ دون تمييز .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق