26‏/01‏/2018

الردّ على صالح بن دخيل الله في موضع (قُرّان)

                                                (قُرّان) 



قال صالح : «قرّان هي الأرض الواقعة من الحويّة اليوم حتى قرب عشيرة وهي من ديار هذيل المجاورة لعدوان وبنو(!) نصرمن هوازن» , ثم قال : «وشاهد أبوذؤيب واضح قد حموها وإليكم النص كامل يوضح فيه باقي حدودهم مع هوازن من جهة أملاح والعرج بالطايف» .



قلتُ : الحجة والدليل الذي اعتمد عليه الأخ صالح في هذا الشذوذ العلمي هو بيت من قصيدة أبي جندب , والقصيدة في شرح أشعار الهذليين لأبي جندب , ولم أقف عليها في ديوان أبي ذؤيب , والعجيب أن الأخ صالح ينقل صورة قصيدة أبي جندب ويعزوها لأبي ذؤيب ويقول : «إليكم النصّ كاملاً» .

 قلتُ : بغضّ النظر عن هذا الاستدلال والاحتجاج بمجرد ذكر الموطن في البيت , إلا أنه لم يمعن النظر في القصيدة , فالقصيدة تردّ عليه ردّاً ساطعاً إلا أنه لا يبصر , ولو رجع لسبب ورود القصيدة والأماكن المذكورة فيها لوجد ذلك واضحاً جداً أيضاً , ولكن ماذا أقول ؟ فهذا من باب توضيح الواضحات وهدر الأوقات , وقبل الكلام على القصيدة , وقبل الكلام على قرّان , أنبه على تلبيس الأخ صالح كالعادة في نقله , وذلك في نقله كلام ياقوت , فقام بحذف الكلام بعد بيت أبي جندب حتى يظن القارئ أن المقصود بـ(قُرّان) في بيت أبي جندب هو (قُرّان) الوادي الموجود في الطائف , حتى لا يفطن القارئ أن هناك أسماء متشابهة , حذف بقية الكلام , وسأنقل كلام ياقوت كاملا :



قال ياقوت الحموي (المتوفى: 626هـ) في «معجم البلدان» : «قُرّانُ: بالضم، يجوز أن يكون جمع قرّ أو قرّ من البرد أو فعلان منه، ويقال: يوم قرّ وليلة قرّة، فيجوز على ذلك أن يقال أيام قرّان وموضع قرّ ومواضع قرّان، وقرّان: اسم واد قرب الطائف في شعر أبي ذؤيب، قال، ويروى لأبي جندب:

وحيّ بالمناقب قد حموها ... لدى قرّان حتى بطن ضيم

كلّها بين مكة والطائف، وقرّان: قرية باليمامة، وقيل: قرّان بين مكة والمدينة بلصق أبلى، وقد ذكر في أبلى» .

ثم قال : «وقرّان: قرية بمرّ الظهران، بينها وبين مكة يوم» .

                       

قلت : ويتضح بقول المختصر عبد المؤمن بن عبد الحق القطيعي (المتوفى: 739هـ) قال في «مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع» : «قرّان بالضم، يجوز أن يكون جمع قرّ:

اسم واد قرب الطائف.

وقرّان: قرية باليمامة لبنى سحيم .

وقيل: قرّان بين مكة والمدينة بلصق أبلى .

وقرّان: قرية بمرّ الظهران، بينها وبين مكة يوم .

وقرّان: قصبة اليدين بأذربيجان حيث استوطن بابك الخرّمىّ .

وقران، بالتخفيف: ناحية بالسراة، من بلاد دوس، كان بها وقعة .

وقيل: هو من الأصقاع النجدية.

وقيل: جبل من جبال الجديلة، وهى منزل لحاجّ البصرة» .



قال أبو بكر الحازمي (المتوفى: 584هـ) في «الأماكن أو ما اتفق لفظه وافترق مسماه من الأمكنة» : «بَابُ قُرَّانَ، وَفَرَانَ، وَقَرَارٍ

أما اْلأَوَّلُ: - بِضَمِّ القاف وتَشْدِيْدِ الراء وآخره نون -: في شعر جرير -:

كَأَنَّ أَحْدَاجَهُم تُحْدا مُقَفِّيَةً ... نَخْلٌ بِمَلْهَمَ أَوْ نَخْلٌ بِقُرَّانَا

ملهم وقران: قريتان باليمامة لبني سُخيم من حنيفة، والأحداج مراكب النساء. وأيضاً: وادٍ بتهامة ».



قلتُ : المقصود بـ(قُرّان) في بيت أبي جندب الهذلي هو الذي في تهامة بقرب من (مُرّ الظهران) والذي قاعدته اليوم (الجموم) ويتضح ذلك بسبب ورود القصيدة ومكان الحدث , بل والقصيدة نفسها .

كان أبو جندب جاراً لبني نفاثة بن عدي بن الدئل من بني كنانة , وكانوا بأسفل (دفاق) وظعنوا منه يريدون ماء (ظراء) فهمّوا أن يغدروا به في قصة طويلة , فواعد أخاه نجد (أَلَوْذ) ثنية في طريق بلاده , وواعد امرأته أم زنباع ثنية (يدعان) من جانب نخلة .

ثم قال أبو جندب في ذلك قصيدته ومنها :

أَقول لأُمِّ زِنْباعٍ أَقِيمي ... صُدورَ العِيسِ شطرَ بني تميم

وغَرَّبْتُ الدّعَاءَ وأَيْنَ منِّي ... أُناسٌ بين (مرَّ) و(ذي يَدومِ)

وَحَيٍّ بالمناقب قد حمَوْها ... لدى (قُرَّانَ) حتى بطنِ (ضِيمِ)

وأحياءٍ لدى سعْدِ بن بكر ... (بأَملاحٍ) فظاهرةِ (الأديم)

                                 

قلت ُ: كل هذه الأماكن الواضحة في القصيدة كلها في تهامة , وبما أن الأخ صالح لا يعرفها , فهذا تعريف بسيط بها .

1- (دفاق) قال عاتق البلادي في المعالم (106): «دُفَاق: بضم الدال المهملة وتخفيف الفاء ، وآخره قاف: وادٍ لهُذَيل يسيل من السراة قرب شفا بني سفيان، فيصب في وادي ملكان علي (32) كيلاً جنوب مكة» .

2- (ظراء) قال عاتق في المعجم (1087) : «رأيت ظراء هذا بجانب دفاق من الجنوب ».

3- (ثنيّة يدعان) هي ريع يدعان يبعد 35 كيلا شمال شرق مكة المكرمة , وهو اليوم بين لحيان والحتارشة .

4- (مرَّ) هي (مُرّ الظهران) والذي قاعدته اليوم (الجموم) .

5- (ذي يَدومِ) قال كثيّر عزّة:

(عرفت الدّار قد أقوت بريم ... إلى لأي فمدفع ذي يدوم)

فهي من ديار عزّة بنت جميل الكنانية , قال أبو محمد الحسن الهمداني (المتوفى: 334هـ) في صفة جزيرة العرب بعد أن ذكر المنازل الحجازية : «وذو يدوم في ديار كنانة» .

6- (قُرَّانَ) قال عاتق في معجمه (1365) : «قُرّان قرية بمرّ الظهران , وبينها وبين مكة يوم . نقله عن ياقوت ولم يعقّب عليه ».

7- (ضِيمِ) وادي كبير جنوب مكة المكرمة يبعد عن مكة 40 كيلا تقريباً .

8- (بأَملاحٍ) بالقرب من مُرّ الظهران , كما قال أبو ذُؤَيب الهذلي :

(صوح من أمّ عمرو بطن مُرّ فأكـ ... ناف الرجيع فذو سدر فأمْلاح)

وقد رمى بها الأخ صالح في نجد سأذكرها في موضوع مستقل إن شاء الله .



وهذا الكشف لهذه الأماكن هو حجة كافية لتصحيح الأخطاء والأوهام .

ولكن أزيد هنا بعض الأقوال , قال أبو محمد الحسن الهمداني (المتوفى: 334هـ) في صفة جزيرة العرب (386) في تعليقه على أرجوزة الرداعي : «عكاظ بمعكد هوازان وسوق العرب القديمة وهي لبني هلال اليوم» .



تاركة قرَّان للمناقب ... بحيث خط الميل كف الكاتب

وشرّبا في جنح ليل واقب ... بكل محض حسن الضرائب                      

ثم قال : «قرَّان وشرب مكانان من أرض عكاظ وقران هذا غير قران اليمامة، وقران الجوف جوف أرحب، وهذه المواضع من الجرداء ويضرب على مشرق جميع هذه المواضع جبل الحضن من المحجة على يوم وكسر ثم ضرب الناس من قرَّان وشرب ذات اليسار فعلوا رأس السراة وهو المناقب خمس عقبات منها الغمضة وغيره فانحدروا فيها» .



قلت ُ: قوله :عكاظ بمعكد هوازان , يعني وسط بلاد قبيلة هوازن , قال في القاموس : «عكد الشيء : وسطه» , فهذه شرب وقرّان من أرض عكاظ , وعكاظ في وسط ديار هوازن .

وبهذا تعلم أن قول الأخ صالح : «قرّان هي الأرض الواقعة من الحويّة اليوم حتى قرب عشيرة وهي من ديار هذيل المجاورة لعدوان وبنو(!) نصرمن هوازن» , لا يستند على شيء سوى الظنون والأوهام والخيال الواسع , وأشد منه فساداً قوله : «فيه باقي حدودهم مع هوازن من جهة أملاح والعرج بالطايف» , فهذه من تصاميم ورسومات الأخ صالح , فالأخ مغرم برسم الحدود من خياله , كما مرّ معنا قبل , وله رسومات أخرى سأذكرها في مكانها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق